اتخذت القضية التي أثارتها يومية التجديد حول إدراج اتصالات المغرب لخدمة الرومينغ المبرمة مع ثلاثة شركات إسرائيلية، أبعادا جديدة توشك أن تصبح معها قضية رأي عام مغربي المعروف برفضه الشديد لكل سياسات التطبيع العلني والسري، وبدأ ينكشف أن هذه الخدمة لا تقدمها شركة اتصالات المغرب لوحدها، بل وكذلك كل من شركتي ميدتيل وإنوي، كما ظهر أن الموضوع ليس حديثا بل يعد من مخلفات إنجازات مرحلة وجود مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، حيث اعتمدت هذه الخدمة في سنة ,1999 وهي المعطيات التي تؤكد أننا إزاء قضية غير عادية، تقدم دليلا على وجود التطبيع الاقتصادي، الذي يؤكد الموقف الرسمي على نفيه منذ إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط في أكتوبر ,2000 وبالتالي فإن كل ما بني على تلك المرحلة كان من الفروض أن يتم إنهائه. ما حصل يعيد إلى الذاكرة ما وقع في بداية الاستقلال، عندما تم فتح التواصل البريدي بين المغرب والكيان الصهيوني الحديث النشأة، ولم يتم إيقافه إلا مع مجيء حكومة عبد الله إبراهيم، وهو الموقف الذي جسد انسجاما مع الاختيارات المعلنة للمغرب إزاء القضية الفلسطينية، ورفض الإقرار بما نتج عن قيام الكيان الغاصب. اليوم نجد أنفسنا إزاء القضية نفسها، من حيث الجوهر، مع الاختلاف في الحيثيات، ذلك أن اتصالات المغرب هي المؤسسة الوحيدة التي تملك فيها الدولة المغربية أسهما، بما يجعلها معنية أكثر من غيرها بالانسجام مع الموقف الرسمي الرافض للتطبيع، لكن لا يعفي هذا كل من شركتي ميديتيل وإنوي من المسائلة عن انخراطهما في هذا النوع من التطبيع، ولنا في الدرس النرويجي خير مثال، وذلك عندما أقدم الصندوق السيادي النرويجي على سحب استثماراته من شركات إسرائيلية لها برامج استيطانية، ولم يتعلل الصندوق بأن استثماراته محكومة بمنطق تجاري، بل أصر على أن العمل التجاري محكوم بقواعد أخلاقية يتعين الالتزام بها. منذ تداول هذه القضية، لم يصدر رأي رسمي عن اتصالات المغرب يوضح للرأي العام المغربي حيثيات هذه الاتفاقيات المبرمة مع ثلاثة شركات إسرائيلية، وهو التوضيح الذي نعتقد أن كل من شركتي ميديتيل وإنيوي ملزمتان بتقديمه، وذلك في ظرفية حرجة تمر بها القضية الفلسطينية وتتسارع فيها سياسات تهويد القدس والاستيطان، مع بقاء الحصار على غزة وتشديد نظام الفصل العنصري في الضفة الغربية. لا نستبعد أن تكون شركات أخرى، في العالم العربي، هي الأخرى منخرطة في هذا النوع من التطبيع، إلا أن ذلك لا يمثل مبررا لمثل هذه الأعمال التطبيعية، والتي بلغت في استفزازها أنها منشورة في مواقع الأنترنت الخاصة بشركات الاتصال الثلاث بالمغرب.