بعد أن تبين أن منافسه في انتخابات الإعادة هو المحافظ المتشدد محمود نجاد تبدو فرصة رفسنجاني كبيرة في الفوز، خلافاً للحال لو كان المنافس هو مهدي كروبي، الإصلاحي المعروف الذي يعد مؤسس التيار الإصلاحي قبل خاتمي نفسه. بعد ولايتيه المهمتين ما بين 89 و97، هاهو رفسنجاني على مشارف الرئاسة من جديد على رغم سبعة عقود يحملها على كاهله لكنها لا تؤثر كثيراً على حيويته الجسدية ولا حضوره الكاريزمي أو ذهنيته المتوقدة. في المرة الأولى والثانية حمل رفسنجاني إيران من مرحلة الحرب ومعها غياب المؤسس الرمز إلى مرحلة البناء الاقتصادي، ولم يكن عبثاً أن يسمي التيار الذي أسسه بحزب كوادر البناء، لكن بقاءه في معسكر المحافظين طوال ولايتيه لم يترك مجالاً أمام الشارع سوى البحث عن فضاء جديد لا تقيده طقوس الملالي الصارمة، في بلد لا يبدو فيه التدين ظاهرة متجذرة، بقدر ما هو طقوس خارجية، فيما يبدو أن انحياز الشارع إلى الإمام المؤسس كان لوناً من ألوان الثورة على الفساد والظلم كما تجسد في شخصية الشاه أكثر من كونه بحثاً عن دولة دينية على قاعدة ولاية الفقيه التي كانت ثورة جديدة في الفقه السياسي الشيعي. كان بوسع رجال الدين في إيران أن يحافظوا على تراث الثورة، أقله من الزاوية الدينية بترفعهم على مناصب السياسة التنفيذية، لكن انخراطهم في لعبة السلطة وفسادها وظلمها قد أفقدهم دور النموذج في حين لم يمنحهم رخصة النجاح السياسي، ومن هنا كان انحياز الناس إلى خاتمي في العام 1997 لوناً من ألوان الثورة على الملالي ومن ثم البحث عن فضاء حر وأوضاع اقتصادية معقولة في بلد تؤهله ثرواته لتحقيق رفاه جيد لمواطنيه. ثار الناس على نظام الملالي، ولم يحدث ذلك فقط من خلال التصويت الواسع لخاتمي في المرة الأولى والثانية، بل من خلال وسائل كثيرة من الاحتجاج بدت في بعض فصولها تحدياً لسلطة الدين، بدليل ذلك الانتشار الواسع لكل ما هو مناف للتدين مثل الدعارة والمخدرات. كان خاتمي أكثر ذكاءً وقدرة على إدراك أشواق الشارع المدجج بثورة الشباب. وفي حين حاول الموازنة بين سلطة الثورة والدين ولغة العصر والانفتاح، إلا أن الضغوط الكبيرة التي واجهها لم تمنحه فرصة النجاح، وهي ضغوط لم تأت من طرف المحافظين الخائفين على دورهم وسلطاتهم فحسب، بل أيضاً من طرف إصلاحيين يريدون الخروج تماماً من عباءة الدين والانطلاق إلى علمانية شاملة ليس أمامها سوى القضاء على سلطات الملالي بما فيها سلطات زعيمهم المرشد خامنئي. فشل خاتمي في تحقيق برنامجه فأصيب الشارع بالإحباط، وانعكس ذلك عزوفاً عن صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية، الأمر الذي منح الحافظين فرصة الحشد من جديد والحصول على أغلبية في البرلمان، لكن ثماني سنوات من الشد والجذب لم تكن لتذهب هباءً، فقد خرج الشارع من القمقم ولم تعد سلطة المحافظين بمنأى عن الهجاء حتى بمنآحتى لو استخدمت العصا الأمنية الغليظة. في هذه الأجواء دخل رفسنجاني حلبة المنافسة، فلم يكن أمامه سوى استخدام قدر كبير من خطاب خاتمي، ليس في مجال الداخل وحسب، بل وفي الملف الخارجي أيضاً، فحديثه عن إمكانية علاقة إيجابية مع واشنطن هو في جوهره استجابة للشارع الإيراني الذي يبدو الوحيد الذي يحب أمريكا بحسب استطلاعات الرأي في الدول العربية والإسلامية. والحال أن دخول رفسنجاني حلبة المنافسة لم يكن خبراً ساراً بالنسبة للمحافظين، ولو خيروا لاختاروا أي من منافسيه الإصلاحيين، والسبب هو قدرتهم على التحكم بهذا الأخير، خلافاً لرفسنجاني، لكنهم لا يجرؤون على التصريح بذلك، وفي العموم فإن رفسنجاني لن يصطدم بالمرشد، ليس فقط بسب الأغلبية المحافظة في مجلس النواب، بل أيضاً لكي يوفر لنفسه فرصة النجاح، لاسيما بوجود تحديات تستدعي الوحدة الداخلية، أهمها التحدي الأمريكي، وحيث تحيط الأساطيل والقواعد العسكرية الأمريكيةبإيران من الخليج وأفغانستان والعراق، وإن بدا أن القوات الأمريكية في العراق هي رهائن بيد إيران بحسب تصريح رفسنجاني نفسه. ما بين تحريك الاقتصاد عبر استغلال ارتفاع أسعار النفط وتعزيز الانفتاح الاقتصادي، وما بين الانفتاح الداخلي، والأهم مواجهة التحدي الأمريكي ستراوح ولاية رفسنجاني الجديدة في حال فوزه بالفعل، فهل يفوز وينجح في مهمته ويدخل تاريخ إيران الحديث بوصفه الزعيم الأكثر أهمية بعد الخميني، أم يهزم أو يفوز ثم يفشل ويرحل غير مأسوف عليه؟ لننتظر ونرى. ياسر الزعاترة