من رحمة الله أن فتح لعباده باب العودة إلى الجادة والرجوع إلى الصواب والتوبة عن الخطأ، ونوع سبحانه أشكال تلك الأوبة بين ما يكتفى فيها بمجرد الإقلاع عن الذنب والندم على ما فات والعزم على عدم العودة إلى انتهاك محارم الله، وبين ما يقدم فيه بين يدي توبته برهان صدقه بالتكفير عما صدر منه؛ بأنواع كفارات الصيام أو الإطعام وغيرها، وقد جعل سبحانه لمن تعمد انتهاك حرمة رمضان، وهو في حالة اختيار كفارة تخرجه من الإثم إلى رحاب الطاعة من جديد. فمن رفض نية صومه قائلا: رفعت نية صومي، وأبطل نيته أثناء النهار، أو رفعها ليلا واستمر ناويا عدم الصوم حتى طلع الفجر فعليه الكفارة، لأن النية ركن أساسي في الصوم. والجماع عمدا من غير إكراه يوجب الكفارة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، فقال: وما ذاك؟ قال: وقعت بأهلي في رمضان. قال: أتجد رقبة؟ قال: لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فتستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا. فجاء رجل من الأنصار بعَرَق خ والعرق: المِكْتَلُ خ فيه تمر، فقال: اذهب بهذا فتصدق به، قال: على أحوجَ منا يا رسول الله؟ والذي بعثك بالحق، ما بين لاَبَتَيْها أهل بيت أحوج منا. قال: اذهب فأطعمه أهلك . وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: كله أنت وأهل بيتك وصم يوما، واستغفر الله. ومن موجبات الكفارة عند المالكية؛ الأكل والشرب عمدا من غير عذر شرعي، لحديث أبي هريرة: أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، وقاسوا المفطر بالأكل والشرب على المفطر بالجماع بجامع انتهاك حرمة رمضان. ولا كفارة في ما يصل من غير الفم؛ كالأنف والأذن والعين. يقول ابن أبي زيد في الرسالة: وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع أو شرب مع القضاء. ومن موجبات الكفارة أيضا، تعمد إخراج المني بشهوة بأي وسيلة متحكم فيها. وكذا تعمد إخراج القيء وابتلاع شيء منه عمدا. ومن موجبات الكفارة؛ التأويل البعيد، كمن ظن أن مرضا يقع له في يومه فتعجل الفطر، أو من اغتاب غيره فظن الفطر فأفطر ... والكفارة في زماننا إطعام ستين مسكينا بملء اليدين المتوسطتين طعاما لكل واحد منهم، ويكون الإطعام من غالب قوت أهل البلد، أو صيام شهرين متتابعين، والأفضل الإطعام للواجد؛ لما فيه من تعدي الخير والنفع إلى غيره، وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام.