أنا متزوج وأشتغل في وظيفة جيدة وبأجر جيد، وأسكن مع زوجتي وأبنائي في منزل عن طريق الكراء، تمكنت من ادخار مبلغ محترم من المال، وأريد أن أحج به أنا وزوجتي وأولادي، لكن البعض نصحني بان أقتني بهذا المال الذي جمعته عبر سنوات في شراء مسكن لي ولأسرتي، واخبروني بأن الحج يتطلب أداؤه الاستطاعة المادية وداخل في هذه الاستطاعة التوفر على سكن خاص. وأريد أن أسأل هل عدم التوفر على سكن خاص في ملكيتي يجعلني في خانة عدم الاستطاعة على الحج، وهل أعطي الأسبقية لشراء السكن أم لأداء فريضة الحج؟ اختلف العلماء فيما تتحقق به الاستطاعة الموجبة للحج: فقال المالكية: إنها تتحقق بالقدرة على الوصول إلى مكة، وإقامة المناسك، بأي وجه وبأية وسيلة، ولم يعتبروها في الإياب. وذهب الجمهور إلى أنها تتحقق بالتوفر على الراحلة وعلى الزاد الكافي للسفر ذهابا وإيابا، فضلا عما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقتهم ومؤنتهم مدة ذهابه وإيابه. ولم يشترط أحد من المحققين من أهل العلم لوجوب الحج امتلاك مسكن خاص، بل يجب على المستأجر أيضا عند تحقق الاستطاعة. والظاهر أن السائل الكريم، سواء على رأي المالكية أو غيرهم، هو من أهل لاستطاعة، فهو، كما ذكر، موظف، ويتقاضى مرتبا شهريا يكفيه لأداء أجرة السكن والنفقة على الأهل والعيال، إضافة إلى امتلاكه المبلغ المالي المدخر الذي هو متردد في صرفه في الحج أو في شراء السكن. لذا، ننصحه بالمبادرة إلى إبراء ذمته بأداء فريضة الحج، وعدم التهاون فيها، فقد تعترضه في حياته عوارض وتطرأ له طوارئ وموانع يصير معها عاجزا عن أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام. فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى والطبراني في الكبير وغيرهم بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض خ أي المشارف على المرض -، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة؛. هذا، وليعلم السائل الكريم أن الحج واجب على الفور - أي في أول وقت الإمكان - عند جمهور الفقهاء، خلافا للشافعية، وهو الراجح عند المالكية، لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ( الطلاق: 6). أما الأحاديث المستدل بها على الفورية فإنها ضعيفة لا تنهض للاحتجاج بها. بل إن المالكية، وبناء على ما سبق، يذهبون إلى تقديم الحج حتى على واجب الجهاد. يقول الشيخ خليل رحمه الله وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ إلا لخوف . والله تعالى أعلم