لا تخضع مشكلة تقسيم السلطة في البيت بين الرجل والمرأة وما يتفرع عنها من تقسيم الوظائف بينهما فحسب للثقافة الذكورية، التي صنعت الرجل الأناني الجبار. بل نجد أن من أهم آليات إنتاجها في البيئة الأسرية منغرس في عمق التربية والتنشئة الأسرية حيث لا يكتفي الرجل بإعطاء النموذج لأبنائه من خلال سلوكه اليومي ولعب دور القدوة بل نجد انخراط المرأة والرجل معا في تنشئة الأبناء على مقتضيات النظام التقليدي غير المتوازن في تقسيم الوظائف بين الجنسين. فينشأ الولد على صورة أبيه وتنشأ البنت على صورة أمها. وتنخرط المرأة، التي ترجع لها مسؤولية توزيع الوظائف بين الأبناء عمليا، بكل قوة وحماس في تكريس الصورة النمطية الظالمة لها. فلا تقبل من ولدها أن يأتي من أعمال البيت شيئا يصنف بكونه خاصا بالنساء حتى ينشأ رجلا، في الوقت الذي تطلب من شقيقته الطفلة، وأحيانا تحت التهديد بالعقاب، والتي قد تصغره بسنين، التضحية إلى جانبها حد الانهيار من التعب وشقيقها في راحة ولهو وحتى المتعة! من مشكلات هذه التنشئة أنها تجعل المرأة، أما وابنة، تحت تخدير ثقافي تعزز بترويض تربوي يومي جعل الأم هي أكبر الفاعلين في ضمان استمراره بما تقدمه من نموذج خاضع وبما تعيد إنتاجه من قيم وتوجيهات وقواعد! فقد تكون الأم أيضا عاملة خارج البيت لكنها بالتأكيد هي وحدها العاملة فيه، وقد تكون البنت خارج البيت تلميذة أو طالبة، لكنها في البيت وخلافا لشقيقها الولد، وحدها من ينخرط في الأعمال المنزلية إلى جانب أمها! غير أن نوعا من التواطؤ على تكريس نظام الرجل السيد والمرأة الخادمة في البيت، بين الزوجين، يجعل الرجل، الذي لا يتوقع منه ضمن ذلك النظام التصرف بما يخالفه، يثور بالعكس حين يكلف الولد، رجل المستقبل، بأعمال بسيطة في البيت تصنف بكونها خاصة بالنساء. (يتبع)