الكلام الذي صدر في إسرائيل عن لقاء رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مع الرئيس مبارك مستفز ومهين، ولا أستبعد أن يكون معجوناً بالدس وسوء النية. إذ حين يقول أحد الوزراء المهمين الذين رافقوا نتنياهو إن الرئيس مبارك بمثابة كنز إستراتيجي بالنسبة لإسرائيل، فإن الوصف لا ينبغي السكوت عليه. ذلك أن العبارة التي يتعذر تصديقها تصدمنا، وتعبر عن جرأة تصل إلى حد الوقاحة، حيث لا يخطر على بال أحد أن يكون لها أي ظل من الحقيقة. رغم أنها صدرت عن رجل متمرس في العسكرية والسياسة، ويعرف جيداً معنى الكنز الإستراتيجي وهو الوصف الذي يمكن أن ينطبق على سياسيين مثل ريجان وجورج بوش وكيسنجر وساركوزي والسيدة ميركل. وينطبق في إسرائيل على بن جوريون وإسحاق رابين وآرييل شارون إلى غير ذلك من النماذج التي وقفت وراء قيام إسرائيل واستعلائها وأيدت انقضاضها على الفلسطينيين وفتكها بهم. وفي الوقت ذاته قامت بتركيع العرب وإذلالهم. العبارة المستفزة والمهينة التي نحن بصددها جاءت على لسان بنيامين بن أليعيزر وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي، في تعليقه على نتائج زيارة نتنياهو إلى مصر واجتماعه مع الرئيس مبارك في شرم الشيخ يوم الاثنين الماضي (3/5). إذ اكتشفنا أن الرجل كان ضمن الوفد الإسرائيلي، الذي لم يظهر من أعضائه في الصور سوى نتنياهو وحده. وقد أجرت معه إذاعة الجيش الإسرائيلي حواراً بثته يوم الثلاثاء قال فيه بن أليعيزر ما يلي: إن مصر معنية ببذل كل ما في وسعها من جهد لدفع الرئيس الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات كي تتقدم عملية السلام. إن اللقاء الذي استمر ساعة ونصف الساعة سادته أجواء رائعة للغاية. الأمر الذي يؤكد أن حسني مبارك بمثابة كنز إستراتيجي بالنسبة لإسرائيل. المباحثات تناولت العملية السلمية في الشرق الأوسط وجهود مصر في هذا المجال. إلى جانب الموضوع الإيراني من عدة نواح العواقب الوخيمة المترتبة على امتلاك إيران سلاحاً نووياً، كذلك الجهود المصرية لإنهاء قضية احتجاز الجندي الإسرائيلي في قطاع غزة جلعاد شاليط، ومساعي وقف التهريب إلى قطاع غزة. دعوة مصر إلى جعل الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية ليست جديدة. فقد تردد هذا المطلب من الرئيس مبارك أثناء أول زيارة قمت بها إلى مصر في سنة ,1992 برفقة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين. وحكومة إسرائيل متفهمة له، خصوصاً أن مصر ملتزمة مع حكومات إسرائيل بفتح قنوات حوارية من أجل الوصول إلى تفاهم في هذا الشأن. ((للعلم فقط فإن السيد بن أليعيزر كان قائداً لوحدة أشكيد في جيش إسرائيل التي ثبت أنها قتلت 250 جندياً مصرياً من وحدة كوماندوز مصرية في مدينة العريش في شهر يونيو عام .1967 وقد كشف التليفزيون الإسرائيلي عن دوره في فيلم وثائقي تم بثه في شهر مارس عام ,2007 تضمن اعترافات أدلى بها ضابط سابق في الوحدة تحدث فيها عن دور بن أليعيزر في العملية. أحدث الفيلم ضجة في حينها أصابت علاقات البلدين بالتوتر، وأدت إلى إلغاء زيارة للقاهرة كان مقررا أن يقوم بها الرجل وقتذاك. وبسببه بعث وزير الخارجية المصري برسالة وصفت بأنها شديدة اللهجة إلى نظيرته الإسرائيلية طالب فيها بمحاكمة قتلة الأسرى المصريين. وقدمت وقتذاك 6 بلاغات اتهمت بن أليعيزر بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقضت محكمة مصرية باختصاصها بنظر دعوى ضده قدمتها إحدى أسر الأسرى المصريين، ولكن الموضوع تمت تسويته وأغلق ملفه لاحقاً- هل لهذا السبب لم تظهر صوره في صحف القاهرة حين جاء أخيراً مع نتنياهو؟!)). صحيح أن العبارة التي وردت على لسان الوزير تستدعي ما لا حصر له من الأسئلة التي تثيرها أحداث السنوات الأخيرة. خصوصاً ما تعلق منها بالعدوان على غزة والاشتراك في حصارها وإقامة السور الفولاذي لإحكام ذلك الحصار. وهي وقائع تتعدد الاجتهادات في قراءتها وتفسيرها. لكن لا ينبغي بأي حال أن تصل الوقاحة بالسيد بن أليعيزر إلى حد وصف الرئيس مبارك بأنه كنز إستراتيجي لإسرائيل. وهي فضيحة أن يقال بحقه كلام من هذا القبيل، لكن الفضيحة الأكبر أن تسكت مصر عليه وألا تطلب من إسرائيل" إيضاحا واعتذارا.