أثناءَ زيارتِه غير المتوقعة لبيروت مؤخرًا، استخدم وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط مصطلح العدو في وصف الكيان الصهيوني، الأمر الذي أثار اهتمام المراقبين، لا سيَّما أن الزيارة ذاتها قد بدت دعمًا للبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية على خلفية الحديث عن تهريب صواريخ سكود من سوريا إلى حزب الله، وهو ما دفع وزيرًا إسرائيليًّا إلى التهديد بإعادة سوريا إلى العصر الحجري إذا هاجم حزب الله دولته، وقد جاءت الزيارةُ ضمن أجواء تفاؤل بتحسن العلاقة بين دمشقوالقاهرة، مع حديث عن التئام شمل التحالف الثلاثي (المصري السوري السعودي)، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ولا يبدو أنه سيحدث في ظل الأجواء السياسية التي تسود المنطقة، بخاصة ما يتعلق منها بالوضع الداخلي المصري والحرص على تمرير التوريث لصالح نجل الرئيس مبارك، الأمر الذي لن يتم دون دعم أمريكي. ونتذكَّر هنا مقولة مصطفى الفقي (رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشعب المصري) التي أثارت قبل شهور زوبعة إعلامية، والتي قال فيها: إن الرئيس المصري ينبغي أن يحظى بموافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل. لكن وزير الخارجية المصري الذي اشتهر بمواقفه الصلبة حيال الفلسطينيين (هدَّد بتكسير أقدام من يتجرأ منهم على اجتياز الحدود)، لم يواصل تشدده حيال دولة العدو، لا هو ولا نظامه السياسي، لا سيَّما بعد أن طلبت الخارجية الإسرائيلية توضيحات بشأن التصريح عن طريق سفيرها في القاهرة. نقول ذلك تبعًا لمؤشرات كثيرة أكدت عودة سياسة التراجع التي تابعناها منذ سبع سنوات، فقد جاءت الأحكام القاسية بحق ما عُرف بخلية حزب الله لتؤكد الإصرار على مسار التراجع أمام المطالب الأمريكية الإسرائيلية، بل لتؤكد أن ضغوطًا أخرى قد دفعت نحو ذلك الاتجاه، وهي ضغوط تتعلق بذات الملفات التقليدية، وعلى رأسها التوريث وحرية قمع حراك المعارضة الآخذ في الاتساع مع دخول البرادعي على الخط، والذي يتوقع استخدامه طوال الوقت في لعبة الابتزاز التقليدية. الأحكام كانت قاسية، فيما زادتها سوءًا حملة التبرير الإعلامية، وما يؤكد مجيئها ضمن ذات المسار الذي نتحدث عنه أنه كان بوسع المحكمة تأجيل الحكم لزمن طويل، كما هي العادة في قضايا مشابهة، بل أقل أهمية. ضمن ذات المسار جاء تشديد الحصار على حركة حماس كما عكسته جملة من التسريبات والممارسات، ومن ضمنها الحديث عن كميات أسلحة مهمة جرى ضبطها، فضلًا عن الإعلان عما قيل إنه إسقاط لشبكات تهريب الأموال لحركة حماس، ووصل التشدد مداه حين جرى ضخّ كمية من الغاز في أحد الأنفاق، مما أدى إلى قتل أربعة من العمال الغلابة الذين يعملون فيها. دعك هنا من التشدد المفرط فيما يتعلق بورقة المصالحة ورفض إجراء أي تعديل عليها، إضافة إلى ما يتوقعه مراقبون خلال الأيام المقبلة، ممثلًا في توفير مرجعية العربية لمحمود عباس من أجل استئناف المفاوضات غير المباشرة مع نتنياهو استجابة لطلب أوباما، دون أن يبادر الأول إلى تجميد الاستيطان، اللهم إلا ما قيل عن تفاهم سري بعدم اتخاذ خطوات استفزازية جديدة، إضافة إلى منح بعض الحوافز للسلطة، ومنها الإفراج عن بعض المعتقلين، ورفع بعض الحواجز في الضفة. أسوأ ما في هذا المشهد الذي نتابعه هو أن التراجعات المصرية لا زالت مجانية، إذ لم يقدم نتنياهو الذي سيلتقي الرئيس المصري في شرم الشيخ غدًا الاثنين أي تنازل يُذكر في الملفات العالقة، في حين يتابع الناس قضية الحصار الإسرائيلي لمصر عبر إفريقيا، ومن خلال الملف الأكثر حساسية، ممثلًا في حصتها من مياه النيل. عندما تسيطر الهواجس الخاصة للأنظمة ونخبها الحاكمة على سلوكها السياسي، يغدو التراجع أمام الخارج هو المسار التقليدي، وهو ما يفرض على حركة المعارضة والشارع المصري والعربي عمومًا مسئولية مضاعفة في مواجهة مايجري.