هم أطباء وهميون، يمارسون مهنة قلع الأضراس والأسنان، دون أن يتخرجوا من جامعة أو أي معهد متخصص، بل كان دكان الحجام هو المدرسة الكبرى التي تخرج منها أغلبهم ب (دبلوم) حرفي أسنان...، كان هذا عندما كان الحجام مؤسسة اجتماعية لا يمكن تجاوزها في المجتمع.. يقص الشعر، ويقوم بختان الأطفال، وكان أيضا طبيب أسنان. كُلاب وكرسي قديم هي كل المعدات الطبية، زبناؤهم المعدومون ومن لا يقدرون على تكاليف زيارة الطبيب المختص في ظل التجاوزات المتعلقة بغلاء الأثمنة وغياب معايير محددة تضبطها، كل من تألمه ضرس أو سن يتوجه صوبهم، ليقتلعه وينعم بنوم هادئ، مقابل 10 دراهم إلى 20 درهما.وبدأ الطموح يكبر، حينما أبان أغلبهم عن انضباط كبير وقدرة فائقة على حرق المراحل واستيعاب أبجديات مهنة الأسنان، قبل أن تتحول خيام الكثير منهم إلى دكاكين لصانعي الأسنان الممتهنين لمهنة طب الأسنان دون شواهد...هذا دون أن تندثر الخيام من كثير من الأسواق الشعبية بالدار البيضاء، سوق شطيبة أو سوق القريعة مثلا... يحكي سعيد ابن الحاج عن مهنة قال إنه لا يتمنى أن يحترفها أبناؤه من بعده، بكثير من الافتخار والحنين، ويتذكر كيف كان يجعل من كل لحظة من لحظات وجوده بورشة الحاج والده منذ أن غادر مقاعد الدراسة عند مستوى الإعدادي، مناسبة للتعلم والتعرف على أبجديات قلع الأسنان والأضراس. داخل محل قصديري عشوائي بسوق شطيبة شبيه بالخيام التي تنصب بالأسواق الأسبوعية من لدن أمثاله من ممتهني قلع الأضراس، يزاول سعيد مهنته لما يزيد عن 20 عاما، لا باعتباره متعلما ولكن على أساس أنه ممتهن لحرفة الأسنان، بعد أن أجاز له والده مزاولتها حين أظهر قدرة فائقة على قلع الأضراس والأسنان للمرضى، وطور معرفته بهذا العالم ومهارته من خلال مجالسة متكررة لطبيب أسنان كان صديقا له. على مدخل دكانه توجد طاولة خشبية مهترئة تضم ركاما من الأضراس والأسنان التي أراح من ألمها زبائنه، زاد مهنته داخل محفظة لا تفارقه أينما حل وارتحل.. كُلاب وإبر للحقن، ومخدربنج وبعض من القطن يقتنيها من الصيدلية، وثقة كبيرة بقدرة اكتسبها مع توالي السنوات على قلع الأضراس والأسنان كيفما كانت، لكن ليس لأي كان -يؤكد سعيد-، بالقول فأنا أقرأ ملامح المريض حينما يجلس أمامي، قبل أن أسأله عن الأمراض التي يعانيها، لأخبره إن كان بإمكاني قلع الضرس أو السن، أو نصيحته بالتوجه إلى طبيب مختص. ولأن ما يفعله أمثال سعيد هو مهنة ينظمها القانون ويعاقب على امتهانها دون ضوابط علمية وقانونية وتنظيمية، فإن (بوجمعة) الذي يحترف هذه المهنة منذ سنة ,1962 لم يجد بدا من القول بأن المهنة الآن صارت تحتاج إلى اعتراف رسمي بمهارة وخبرة لا يمكن إنكارها عن كل من اكتسبوها لسنوات عديدة. ولأن المريض عادة هو الذي يقرر بنفسه اللجوء إلى قالعي الأضراس والأسنان بدل طبيب أسنان، لأنه لا يملك دائما الخيار الفعلي، وإنما لجوؤه إلى حرفي الأسنان يكون أحيانا مفروضا عليه بحكم غلاء الأسعار لدى الأطباء المختصين. يرجع من يفضلون خدمات قالعي الأضراس والأسنان على الطبيب المختص، إلى أن الفرق في الثمن بينهما شاسع، ولأن أغلب أطباء الأسنان هم أقل خبرة، ويؤكدون بأن هؤلاء الحرفيين ومن كثرة اشتغالهم يكتسبون خبرة أكبر، وبعضهم أكثر كفاءة من أطباء الأسنان، ولأن هؤلاء هم الأصل في المهنة، وطب الأسنان حديث بالمغرب يقول بعضهم، فأغلب المقبلين عليهم لا يفرقون بين الطبيب الحقيقي خريج كلية الطب وصانع الأسنان الذي تعلم الحرفة من سابقيه. بل إن منهم من يعتبر أن هؤلاء الممتهنين لهذه المهنة لهم الشرعية التاريخية، ولذلك فمن المحال إقناع المغاربة بتفضيل الطبيب المختص على الممارسين العصاميين.في المقابل يعتبر غيرهم أن الذهاب عند قالعي الأضراس مغامرة في غاية الخطورة، في ظل انتشار كثير من الأمراض الفتاكة والمنقولة من خلال الأدوات الحادة. مع غياب شروط الممارسة الصحية فيما يخص الأدوات التي يشتغلون بها من يسمون ميكانيكيي أو تقنيي الأسنان. ويبقى تأهيل هؤلاء وتكوينهم وإدماجهم هو السبيل الأنجع في نظر فيدرالية جمعيات حماية المستهلك للخروج بهم من حالة الممارسة اللا قانونية واللاصحية؛ مع توضيح حدود اختصاصاتهم بشكل حصري ومضبوط.