انتقد عبد الإله بن كيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، سلوك الأحزاب السياسية إزاء تفاعلات الحياة السياسية في الآونة الأخيرة. وقال ، في ندوة حول المشهد السياسي في أفق 2012 نظمها منتدى للفكر والحوار بالدار البيضاء، إن أحزابا سياسية تسكت حينما تستفيد وتنطق حينما لا تستفيد، وكل شيء يقع بتواطؤها. داعيا إلى إعلاء قيمة المبادئ أولا في النضال السياسي، قبل مصلحة أي حزب حتى ترجع الثقة إلى المغاربة في الحياة السياسية. من جهته، قال عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، إنه ليس ثمة استقلالية للقرار الحزبي، مبرزا أنه لا يمكن الحديث عن تحالفات حزبية قبل تخليق الحياة السياسية. أما نبيل بن عبد الله، عضو الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية، فوجه انتقاداته إلى المسار السياسي الذي عرفه المغرب خلال السنوات الأخيرة، وأكد أن ثمة إرادة لتبخيس العمل السياسي، لأن ما وقع خلال السنوات الثلاث الأخيرة يشبه ما كان يقع قبل عقود. التحالفات أم توضيح قواعد اللعب أولا ووجّه السياسيون الثلاثة انتقادات قوية لإرادة التلاعب بالحياة السياسية، مؤكدين الحاجة إلى توضيح قواعد اللعبة السياسية والفاعلين فيها قبل الحديث عن أي تحالفات سياسية بين الأحزاب السياسية، وأكدوا أن ما شهده المغرب خلال الثلاث سنوات الأخيرة يشبه ما كان يقع في عقود خلت. وقال بن كيران إن عدم إبداء الرغبة في التحالف مع حزبه في الآونة الأخيرة هو نتيجة وليس مقدمات لشيء آخر، ففي 2009 - يقول بن كيران- تعاملنا مع التحالفات بشكل طبيعي، حتى أن مناضلينا نسجوا تحالفاتهم المحلية في ظرف ثلاثة أيام، وكانت هناك رغبة عارمة لدى الأحزاب للتحالف معنا، وهاجم بن كيران من جديد الأصالة والمعاصرة دون أن يذكر اسمه، وصفه بأنه فاعل غير مكشوف لا يبين عن حقيقته، وأوضح بن كيران أن تحالفات حزبه انطلقت من التحالف مع هو الأصلح دون أي خلفية إديولوجية. وأكد بن كيران أن ما وقع بعد ذلك أربك الحياة السياسية ووصمها بالهلامية والسريالية وعدم الضبط في النهاية. وخلص إلى أن التحالف الممكن اليوم بين الأحزاب هو من أجل تنظيف الملعب، وتتضح قواعد اللعبة، قبل أي شيء آخر. من جهته، قال عبد الهادي خيرات إن ما يحصل ليس تحالفات وإنما إيحاءات، وهو تناور لابد أن يقف، وتطرق إلى ثلاثة إشكالات منها غياب المحاسبة من طرف الناخبين، وحتى يصبح من لا حزب له لا مكان له في الحكومة، منتقدا هيمنة التكنوقراط وإسقاطهم على أحزاب لا علاقة لهم بها، واعتبر خيرات ذلك استخفاف بالمواطن وبالأحزاب. وقال خيرات إن ثمة خطاب مخادع يسود في الحياة السياسية، وأن ثمة استرزاق سياسي من طرف البعض على حساب مفاهيم مثل الديمقراطية والحداثة التي لها مدلول معين، بينما تعمل الأطراف نفسها على دعم عصابات أضحت هي من تسير مدن. واسترجع خيرات انتقادات عبد الرحمان اليوسفي للسياسة في المغرب التي تمثلت في وجود عناصر وحراس في أجهزة يعرقلون كل شيء، وأن الحكومة غير قادرة على تطبيق برنامجها، وأن ثمة ازدواجية بين الدولة والحكومة، متسائلا عما إذا كانت ثمة إرادة سياسية لرفع هذا الواقع، وقال إن التحالفات تنسج بعد الانتخابات وليس قبلها، لكن عندما تكون الحياة السياسية صافية. أما نبيل بن عبد الله فأكد أن ثمة تبخيس حقيقي للفعل السياسي اليوم في المغرب، وقال إن السنتين الأخيرتين عرفت تطورات غريبة، مشيرا إلى الطريقة التي تم بها تشكيل حكومة عباس الفاسي، وكذا توزير أسماء معينة باسم أحزاب سياسية بشكل عبثي. واعتبر بن عبد الله أن ما وقع في الانتخابات الجماعية لا يمكن أن يرجع الثقة للمغاربة في أحزابهم السياسية. بسبب التحالفات غير الطبيعية التي نسجت، والتدخل القوي في الشؤون الداخلية للأحزاب بهدف صنع خريطة سياسية على المقاس، تفرض على الأحزاب السياسية طرح تصور للخروج من هذا الوضع المتأزم. واعتبر بن عبد الله أن التحالفات لا يمكن أن تطرح قبل توضيح المشروع المجتمعي وطبيعة البرامج التي تسعى إلى تحقيق توازن حقيقي في السلط، وإلى انتخابات شريفة بتنافس متكافئ. مبرزا أن تحالفات حزبه هي داخل الكتلة الديمقراطية وإن كانت اليوم تعد جسما نائما. وأكد أن توضيح المشهد السياسي تعد مسألة استراتيجية للمغرب، وهي تفرض استقلالية القرار الحزبي، والتنافس المتكافيء في العملية الانتخابية وفي تدبير الشأن العام الوطني والمحلي. استقلالية القرار الحزبي انتقد بن كيران سلوك بعض الأحزاب السياسية التي تسكت حينما تستفيد، وقال إنها تخاف من أن يقع لها ما وقع لمصطفى المنصوري، رئيس التجمع الوطني للأحرار السابق، مؤكدا أن ما يقع يتم بتواطؤ من هذه الأحزاب، وأن تحقيق الديمقراطية لا يمكن بدون ثمن حقيقي، داعيا الأحزاب إلى البدء بنفسها، لكي تقدم المثال والقدوة. من جهته، انتقد بن عبد الله الحملات التي تشنها جهات معينة ضد الأحزاب السياسية، والتي تضع الجميع في سلة واحدة، وقال إن صيانة استقلالية القرار الحزبي خطوة ضرورية في اتجاه صيانة قواعد اللعبة السياسية، ودلّل بن عبد الله على ذلك بإسقاط أسماء معينة وتوزيرها باسم أحزاب قائمة، ومن جهة ثانية بظاهرة الترحال الحزبي، مؤكدا على ضرورة إصلاح قانون الأحزاب الذي لم يعد يصلح لشيء، خاصة في مادته الخامسة التي لم تحترم. وأوضح بن كيران أن استقلالية القرار الحزبي لا يجب أن تفهم بشكل مطلق، ما دامت الدولة فاعل رئيسي من بين فاعلين في الحياة السياسية، لا يمكن تجاهله. وأكد بن كيران أن المغرب كدولة وشعب وتاريخ يستحق أكثر من تجربة تونس ومصر، فهو يستحق ما تعيشه اسبانيا وفرنسا والدول الديمقراطية، مبرزا أن المغرب اليوم في حاجة ملحة إلى الديمقراطية. محذرا من الاستهانة بالأحزاب السياسية، التي وصفها بالفاعل المهم. ودعا الدولة إلى أن تستوعب الخيار الذي تسير فيه مؤكدا أن السكون لا يعني الاستقرار، وأن التدخل يجب أن يكون باتجاه دعم الأحزاب وتقويتها لا إضعافها والتحكم فيها. وأبرز أن العدالة والتنمية لا تخيفه العزلة، ما دام يتحكم في قراره السياسي، ومدام يتحمل مسؤوليته كاملة في التصدي لإرادة الإقصاء تجاه الطبقة السياسية. واعتبر عبد الهادي خيرات أن مسؤولية الدولة ثابتة فيما يقع اليوم بالمغرب، واستغرب كيف أن الدولة التي تقدر على تفكيك خيوط جماعات إرهابية لا تستطيع فك خيوط عصابات تسيّر جماعات محلية، وقال إن الدولة لو أرادت متابعة الشلاهبية في الجماعات المحلية والبرلمان فإن الفضائح ستكون منتنة.