لا ديمقراطية دون ديمقراطيين، كما أن لا تنمية بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون تنمية. والديمقراطية في نظر أمريكا هو الطريق الأقل كلفة لمحاربة ما تسميه الإرهاب. كانت هذه أهم الخلاصات التي انتهت إليها الندوة التي نظمها مركز دراسات الأندلس مؤخرا. وذلك تحت عنوان الخطاب الديمقراطي في الوطن العربي بين الاختيار والإملاء. لنتوقف أولا عند تلك الطروحات المتآلفة في نقط والمتباينة في محاور متعددة. في الخطاب العربي حديث كثير عن التحول الديمقراطي والإصلاح، هكذا بدأ سعيد بنسعيد العلوي، عميد كلية الآداب بالرباط سابقا، مداخلته عبر طرح مجموعة من الأسئلة منها: هل في العالم العربي عوائق بنيوية تحول دون ترسيخ الديمقراطية؟ وماهي شروط هذا التحقق؟ ثم هل بإمكان الديمقراطية أن تتحقق عن طريق الإملاءات؟ ليعتبر أن الديمقراطية تقوم على مجموعة من الشروط هي أولا: الإيمان بالعقل والحرية والفرد وحقوق الإنسان، والايمان خاصة بفردية السلطة. ثانيا اعتبار المجتمع ائتلاف مجموعة من المصالح والمنافع. أما لماذا ظلت الديمقراطية مستعصية عن التحقق في العالم العربي، أشار الباحث إلى خمسة تفسيرات، إذ هناك من يرجع الأمر إلى طبيعة الدولة العربية. وهناك من يعزي الحالة إلى طبيعة الثقافة العربية الإسلامية. وهناك تفسيرات أخرى تربط الأمر بتركيبة الأحزاب السياسية، أو علاقة المثقف بالسلطة، أو هشاشة المجتمع المدني في العالم العربي. أما أول الشروط لتحقق الديمقراطية، فلا بد، حسب بنسعيد العلوي، من دولة حديثة، أي الانتقال من الدولة الحارسة إلى دولة التسهير، ثم توافر الحدود الدنيا من العيش الكريم، والقضاء على معضلة الأمية. ونوه بن سعيد العلوي أنه في الوهلة الأولى قد نعتبر الديمقراطية لا يمكن أن تكون موضع إملاء، لكن الإيجاب قد يطلع من صلب السلب. لذلك أشار العميد إلى أن هناك مكاسب يمكن أن تنتزع في إطار هذا الضغط الخارجي وما يجري في مصر حاليا يؤكد أن التاريخ قد يتحرك بالجانب الأسوإ فيه. أما عثمان الرواف، أستاذ العلوم السياسية، فنوه على أنه إذا كان الفكر الديمقراطي الحديث في أوربا قد سبق التطبيق الديمقراطي، فإنه على العكس الفكر السياسي العربي الحديث ما يزال غير ديموقراطي. وذهب الرواف إلى أن الوصول إلى محطة الديمقراطية التمثيلية والمؤسسية في العالم العربي يرتبط بتحقق متطلبات ثقافية واقتصادية منها التسامح والإيمان بفضيلة الاختلاف والعدالة الاجتماعية.وإذا كانت الديمقراطية في نظر أمريكا الطريق لحل مشكلتي التطرف والتخلف، فالمطلوب من الفكر السياسي العربي أن يتصدى لمجموعة من الإشكاليات منها سؤال المرجعية وجدليةالديمقراطية والإسلام، وقضايا الولاية العامة والحاكمية وجدلية الخصوصية والكونية. على صعيد آخر، أشار تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بالرباط، أن العالم العربي أمام سؤال مزدوج: هل نحن أعددنا أنفسنا للدمقرطة بوسائلنا الداخلية؟ أم سننتظر لقنبلتنا بالديمقراطية من قبل أمريكا؟ إن مفهوم الديمقراطية أصبح يرتبط بمفهوم آخر، وهو مفهوم الحكامة أو الحكم الرشيد. وتساءل الحسيني هل النموذج الغربي ملائم لمنطقة الشرق الأوسط الكبير؟ وبالرغم من أن الديمقراطية قيمة كونية، لكنها لا يمكن أن تقولب في نموذج معياري واحد. فالديمقراطية، حسب الحسيني، شيء متحرك تعكسه الأنظمة الثقافية والسياسية و الاقتصادية لكل شعب، كما أن الديمراطية تقوم على توازنات تحققها مصالح مجتمعية متداخلة. ونفى الحسيني أن يكون الغرب صادق فعلا في دمقرطة العالم العربي. فالمسح التاريخي يبين أن أمريكا لم يكن في أجندتها إرساء الديمقراطية في عالم الجنوب. واستدل بمجموعة من النماذج. فأمريكا وقفت ضد مجموعة من الأنظمة الديمقراطية، منها نظام الشيلي ألندي، ونظام مصدق في إيران، والوقوف ضد تقدم جبهة الإنقاد الإسلامية في الجزائر سنة 1991. فهل يمكن الثقة في أمريكا التي فرضت النظام القبلي في أفغانستان خوفا من صعود حكومة قد تنسف مصالحها الحيوية، وتلك التي تعتبر الديمقراطية الإسرائيلية نموذجا يجب أن يحتذى به في بلدان الشرق الأوسط الكبير؟ وهل يمكن الثقة بالتالي في ديمقراطية الكيل بمكيالين؟ المطلوب إذن، يؤكد الحسيني، هو منح التفاؤل الداخلي ليأتي ثماره بدل انتظار قنبلة المنطقة بالديمقراطية المدعومة أمريكيا، وما يحدث في العراق أوضح درس للاعتبار. وما يزكي طرح التحولات الداخلية تلك المبادرات التي ترعاها الطبقات المتوسطة، وتغير أسلوب ونهج كثيرمن القوى العربية، وتكريس آليات الاقتراع، وانفتاح الأسواق العربية أمام العالم الخارجي. كل ذلك في إطار العلاقة الجدلية بين السوق والديمقراطية. هذه عينة من الأفكار والطروحات التي تتداول في موضوع الإصلاح من وجهة نظر عربية، وبين معيقات الإصلاح من الداخل، سواء البنيوية أو الظرفية، وبين الإكراهات الخارجية يجد العرب أنفسهم تائهين يخيل إلي وكأنهم قد خسروا قرنا من الزمن في الدوران في حلقة مفرغة. وإذا قصرنا النظر على المغرب، سنجد أن نفس الأسئلة التي كانت تندرج تحت مسمى الإصلاح أيام الحجوي ومحمد بنداوود... وطرح دستور 1908 هي نفسها أسئلة اليوم: الإصلاح السياسي والدستوري، دور المثقف في العملية التغييرية، محاربة الأمية، صيغ التصدي لمعاقل الفساد.... ومن السخرية المرة أن من كانت الشعوب العربية تحاربه بالأمس كجندي احتلال يعود إليها في زي مستثمر فتفرش له الأبسطة الحمراء، وتهيأ له المساطير القانونية والإدارية والجبائية، مع أن شيئا من طبيعته لم تتغير. في ذات الوقت يتصارع العرب في أجوبتهم عن سؤال: هل الإصلاح داخلي المنبت أم خارجي المنفذ؟ في الوقت الذي ما يزال التأجيل يطال مستلزمات وموضوع وحتى ماهية هذا الإصلاح. علي الباهي