اعتبر فريق من 23 خبيرا أمريكيا أن دعاة رفض الاندماج السياسي للإسلاميين ينطلقون من تحليل سطحي للفترة القصيرة وغير المسبوقة للفترة التي اشتغلت فيها الإدارة الأمريكية السابقة في قضية الترويج للديموقراطية، وأضاف الفريق الذي أداره دانييل بارنبرغ، مدير برنامج مبادرة العالم الإسلامي في معهد الولاياتالمتحدة للسلام، أن التحليل المحايد وغير المنفعل وغير العاطفي للمكاسب الانتخابية للإسلاميين في كل من مصر وفلسطين يخلص إلى أنها نتجت عن شروط محلية وإقليمية أكثر منها عناصر تميز تنظيمية أو إيديولوجية، ليضيف التقرير الصادر نهاية الشهر الماضي، والذي جاء تحت عنوان: في السعي نحو الديموقراطية والأمن في الشرق الأوسط الكبير أن التعميمات المرتكزة على تلك الحالتين يمكن أن تقود إلى سياسات رديئة، وذلك في إشارة إلى السياسة التي دعا إليها الطرح الإقصائي، والذي يعتبر أن اندماج الإسلاميين سيؤدي إلى إضعاف وتهديد المصالح الأمنية الأمريكية من طريقين، الأول أنها ستقوي التأثير السياسي للقوى الإسلامية، وعدد منهم يرفضون التعاون مع أمريكا في عدد القضايا السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، والثاني أن الإصلاح السياسي سيضعف تماسك الدولة بمفاقمة النزاعات بين الإسلاميين وخصومهم العلمانيين والإثنيين والوطنيين، والذي يستدعي النزاع العنفي المدني، بحسب التقرير. ودعا خبراء الإدارة الأمريكية الحالية إلى تبني استراتيجية متدرجة لكن فعالة في التحول الديموقراطي القائم على التعددية والإدماج، والتوجه نحو إشراك الإسلاميين وغيرهم من القوى السياسية والاجتماعية التي تنبذ العنف والإكراه والإقصاء السياسي كوسيلة للتغيير السياسي المحلي والحوار معها، وهي استراتيجية ستمكن من تجاوز حصر خيار الفاعلين المحليين في الاختيار بين الأنظمة السلطوية أو الإسلاميين أو بكل بساطة ترك المشاركة في السياسة، فضلا عن ذلك فإن مناخ التعددية سيتيح توجه التوجهات الإسلامية والعلمانية إلى أرضيات مشتركة، بحسب فريق التقرير الذي اشتغل على حالات خمس دول هي المغرب والأردن ومصر واليمن ولبنان. وتبدو مرتكزات التوجه الاندماجي الذي دعا إليه التقرير متمثلة في أمرين وردا في ثنايا التقرير، فمن جهة اعتبر أن من آثار القيود والحوافز الناتجة عن تنافس سياسي حقيقي هي دفع الأحزاب الإسلامية إلى اعتماد مواقف أكثر اعتدالا وتوافقية، ومن جهة أخرى، فإن التطورات التي تتالت منذ حرب لبنان في 2006 وبعدها حرب غزة في 2009 وكذا النزاع العربي الإسرائيلي أدت إلى الكشف السافر عن ضعف الدولة العربية، ويضاف إلى ذلك توسع النفوذ الإيراني وتفاقم التوترات الشيعية السنية في لبنان والسعودية والبحرين وباكستان وأفغانستان، لتكون النتيجة توجه الشباب المسلم المحبط من ضعف الدولة والتجزئة والطائفية نحو الحركات الإسلامية من أجل إيجاد أجوبة عن ذلك، بل إن التقرير لا يتردد في القول إنه بعد ثمان سنوات من تفجيرات الحادي عشر من شتنبر فإن استطلاعات الرأي تبرز أن القاعدة ما تزال تمثل رمزا قويا لمقاومة النفوذ العسكري والسياسي والثقافي الأمريكي. . وخلص التقرير في نهايته إلى ضرورة الانتباه إلى الفجوة بين الطموحات السياسية والواقع، وأن شروط الممارسة السياسية تتحمل مسؤولية أكبر في عدم قدرة باقي الأطراف السياسية عن التنافس مع الإسلاميين ودفعهم إلى الاعتدال، وذلك عوض التركيز على الطبيعة الإيديولوجية والأهداف الخاصة للإسلاميين في بناء مواقف منهم. وبحسب مصدر مطلع فإن الموقف البحثي الأمريكي الجديد سيشكل قيمة مضافة لتميز التجربة المغربية في الساحة الأمريكية، والتي شكلت مرجعية مضادة لإثبات فشل تجارب الإقصاء السياسي للإسلاميين، وهو ما برز في غياب أي إشارة سلبية لهذه التجربة في المقارنة مع الإشارات التي تمت في مناقشة حالات مصر والأردن، كما سيضعف من محاولات الاستقواء بالخارج للارتداد على النموذج المغربي، وهي المحاولات التي بلغت قبل سنوات حد إقدام إحدى شركات اللوبي المحسوبة على المغرب على التعبير عن عدم رضاها عن التقدم السياسي لحزب العدالة والتنمية بالمغرب. ويمثل هذا التقرير أول خطوة بارزة في السجال الأمريكي الدائر منذ الانتخابات الفلسطينية ليناير ,2006 والتي أدت إلى تراجع الموقف الأمريكي الداعم لمشاركة سياسية الإسلاميين المعتدلين، لاسيما وأن التقرير صدر عن مركز أبحاث يموله الكونغريس الأمريكي وضم في ضمن طاقم معديه طيفا واسعا من الباحثين والفاعلين ذوي التأثير في عملية صنع السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، كإريك غولدشتاين المسؤول في منظمة هيومن رايت ووتش، الذي أعد الورقة البحثية الخاصة بالمغرب.