لعل من أبرز معيقات التعاطي السليم مع مراكز التفكير الأمريكية وخاصة منها المشتغلة على الحركات الإسلامية، هو همينة نظرة تبسيطية واختزالية تضعها ضمن خانتين، الأولى إيجابية والثانية سلبية، في حين أن حالة التعدد القائمة من جهة وطبيعة البنية المعقدة لمراكز التفكير والتي تميزها عن مراكز البحث الجامعية من جهة أخرى، بالرغم من كون هذه الأخيرة تنتج باحثين فاعلين في مناقشات السياسة الخارجية مثل جون إسبوزيتو رئيس مركز الأمير الوليد للتفاهم الإسلامي- المسيحي بجامعة جورج تاون بواشنطن، فإن مراكز التفكير (Think Tank) لها خصوصيتها الشديدة من حيث طريقة اشتغالها القائمة على ما يسمىpolicy oriented research اي البحث الموجه بقضايا السياسة العملية والذي يختم عموما باقتراح توصيات لصانع القرار، وبالتالي يؤطر بمنهجية عرض المشكل وتوصيفه وتفسيره وتقديم الحد الأدنى والضروري من المعطيات واستشراف آفاق تطوره وما يطرحه من تحديات على المصالح والسياسات الأمريكية وتكون الخاتمة باقتراح حلول لتلك التحديات. وتبعا لذلك يمكن هنا التمييز بين ثلاثة أنواع بحسب القرب أومن البعد من مراكز القرار أو العلاقة معه: 1 مراكز التفكير المرتبطة بمؤسسات القرار، وهي مراكز ترتبط بشكل كبير باحتاجيات صانع القرار، وانتشغالاته السياسية المباشرة، ومن أهم الأمثلة معهد الولاياتالمتحدة للسلام الممول من قبل الكونغريس، والذي أطلق قبل سنوات مبادرة العالم الإسلامي، كما نظم لقاءات حول قضية الإسلام والديموقراطية، ودور الاجتهاد في الفكر الإسلامي، فضلا عن مشروع تقييم أثر برامج الترويج للديموقراطية على الأحزاب الإسلامية المعتدلة في بعض البلدان مثل المغرب واليمن والاردن ودراسة السياسة الامريكية الخارجية والتجديد الإسلامي، وهناك أيضا مركز خدمة أبحاث الكونغريس المندمج عضويا في الكونغريس، والذي أصدر أحد باحثيه جيرمي شارب في يونيو 2006 دراسته حول السياسة الأمريكية لترويج الديموقراطية والحيرة الإسلامية، والتي ناقشت حصيلة تجارب هذه البرامج في علاقتها مع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في ثلاث دول هي المغرب والأردن ومصر، وهما بدرجة أقل نمودج المراكز المتعاقدة مثل راند كوربرايشن ذات العلاقة بوزارة الدفاع ومشروعها حول العالم الإسلامي بعد 11 شتنبر، والإسلام المدني، أو المعبرة عن التوجه السائد دون أن تكون مرتبطة بشكل مباشر بمؤسسات القرار أو متعاقدة معها مثل مركز الدرسات الدولية والاستراتيجية، أو معهد بروزكينغز الذي يتوفر على مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط، وأطلق منذ سنة 2004 مبادرة منتدى العالم الإسلامي وأمريكا والتي تعقد بشكل سنوي في الدوحة وتعرق حضورا متعددا للإسلاميين والباحثين فضلا عن مسؤولين أمريكيين. - 2 مراكز التفكير المرتبطة بتوجهات إيديولوجية أو بجماعات ضاغطة مثل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المجسد للتوجه الأكاديمي المؤيد لإسرائيل أو معهد المقاولة الأمريكية المعبر عن المحافظين الجدد أو معهد هدسون المعبر عن توجهات التيار اليهودي المحافظ أو معهد هيريتاج المحسوب على المحافظين والحزب الجمهوري، أو مركز التقدم الامريكي المحسوب على الحزب الديموقراطي، وهي مؤسسات مرتبطة بأوقاف ونظام للتبرعات يجعلها تشكل إحدى ادوات التأثير على السياسية من خلال الكونغريس بشكل اساسي. - 3 مراكز التفكير النقذية المرتبطة بأوقاف والتي تتسم بطابعها الرقابي والتقييمي لاداء الإدارة الأمريكية بشكل أساسي مثل وقفية كارنيغي أو مركز نيكسون، والذي يتيح المجال لبروز أراء مختلفة ونقذية للسياسية الامريكية، ومن ذلك النقذ المنهجي الصادر مثلا عن مدير برنامج الديموقراطية وسيادة القانون توماس كاروترز حول برامج الترويج للديموقراطية الأمريكية، ولمعهد كارنيغي برنامج للشرق الأوسط اطلق منذ سنة 2005 فضلا عن مركز كارنيغي للشرق الأوسط، وتصدر عنها نشرة الإصلاح العربي كما نظمت منذ نونبر 2005 حوالي خمس جولات حوار وورشات دراسية حول الحركة الإسلامية مع قيادات وباحثين من الحركات. ويتيح التمييز بين هذه الأنواع الثلاث إضفاء حالة من النسبية على ما يصدر عنها بخصوص الحركات الإسلامية وعدم المسارعة لاعتبارها تعبيرا عن مواقف رسمية وإن كانت مرتبطة ببعض مؤسسات الإدارة أو تم التعبير عن نتائجها في جلسات استماع الكونغريس، وتفيد هذه النسبية في استيعاب البنية المركبة والمعقدة لآلية صنع القرار في الولاياتالمتحدة وتعدد الفاعلين فيه، حيث لا تمثل هذه المؤسسات بمجموعها سوى فاعلا من فاعلين، وبالتالي الحذر من بناء مواقف متسرعة، تنتج ردود فعل غير محسوبة والتي قد نتطرق لبعض منها في مقالات لاحقة.