تمثل المدرسة بمفهومها السوسيولوجي العام أحد المستويات الأكثر ملاءمة للدفع بالتغييرالاجتماعي إلى الأمام، وإحدى الحلقات الأساسية المتحكمة في معادلة تنمية وإعداد الرأسمال البشري من خلال نظام تعليمي منتج وداعم لمجهودات التنمية البشرية. وتشكل في نفس الوقت، نقطة انطلاق الإصلاح التربوي وتتبعه ومراقبته وقياس أثره على البناء الاجتماعي العام. غير أنه، وإلى حدود اليوم؛ لا تزال المدرسة المغربية في شكلها ومضمونها الحاليين تتعرض لمجموعة من الانتقادات الحادة، من قبل المهتمين والباحثين، ولعل من أبرز تلك الانتقادات التي تدخل في صلب إشكالية هذه الورقة يمكن الإشارة إلى مايلي: نزوع المؤسسة التعليمية والتكوينية نحو الاشتغال وفق دوائر مغلقة، مما يترتب عنه انفصال بين العناصر المشاركة في العملية التعليمية والتكوينية. فكل واحد منها يشتغل في عزلة عن الآخر، وهذا يسهم في إضعاف فرص التعاون والتنسيق والتواصل وتداول المعلومات، ويجعلنا في أحسن الحالات أمام مؤسسات تعاني العزلة التربوية والاجتماعية، وتركز على تلقين المعارف والمعلومات استعدادا للامتحان أكثر مما تعد وتؤهل للحياة عبر تطوير قابليات التعلم والعمل وتحقيق الذات والعيش المشترك مع الآخر. الاستمرار في الاعتقاد بإمكانية استيراد أشكال ومضامين تعليمية جاهزة من سياقات مغايرة لسياق المجتمع المغربي، يمكن لها أن تنقلنا من وضعية التخلف التربوي إلى وضعية النماء التربوي، مما غيب تلك النظرة المستقبلية للتعاطي مع النظام التربوي والتكويني من حيث كونه نظاما حيويا وديناميا له ارتباط وثيق بالمحيط الداخلي وكذلك بالمحيط الخارجي. فغياب هذه النظرة المستقبلية يفسر غياب إصلاحات تراهن على جعل النظام التربوي والتكويني يستجيب بكيفية ملموسة للحاجيات المتجددة لمنظومتنا السوسيواقتصادية والمهنية. إشكالية جدوى ومعنى التعلمات في سياق مُعَولم أصبحت فيه التعلمات تقاس بدرجة وظيفيتها ونفعيتها ومدى إدماجها وتطبيقها في الحياة الاجتماعية العامة، بالإضافة إلى تحديات الأزمات السوسيواقتصادية والمهنية وما سببته من إرباك وضغط على التلميذ، وإشعاره باللاجدوى والعجز أمام مستقبل أصبح مطبوعا بالغموض والشك وانسداد الآفاق. ضعف تقاطع المصالح وتلاقي الإرادات بين الفاعلين التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين ضمن إطار للربح المتبادل، مما ضيق مساحات التكامل والتعاون قصد مساعدة التلميذ على بلورة هويته المدرسية والمهنية والنفسية والاجتماعية. محدودية وظرفية خدمات التوجيه التربوي المقدمة للتلميذ، نظرا لنقص الموارد والكفاءات المعبأة وثقل الإكراهات المتعددة ذات الطبيعة البشرية والمادية والمالية والتنظيمية والتأطيرية، التي تؤثر سلبا على جودة ونجاعة تدخلات مهنيي التوجيه. عدم الإدراك، في إطار المسار الإصلاحي التربوي المأمول، بأن فعالية منظومة التوجيه تتوقف أساسا على اعتماد مقاربة نسقية في مجال هندسة المنظومة التربوية هيكلة وتجسيرا وتشعيبا، بما يتماشى مع السياسة الوطنية في مجال البحث العلمي والتكنولوجي والتحولات المهنية والأولويات الكبرى التي تطبع الاقتصاد والمستقبل ومجتمع المعرفة. ضبابية وغموض أهداف منظومة التوجيه ضمن منظومة التربية والتكوين، مما فوت على مؤسستنا التعليمية بشكل خاص ونظامنا التعليمي بشكل عام، فرصة تحقيق النجاعة والفعالية المأمولة، الشيء الذي أسهم في إفقاد الثقة في أدوار ووظائف وخدمات المدرسة. هذه بعض النماذج من الانتقادات والتشخيصات التي تحفل بها الكتابات والدراسات والتقارير، والتي بالرغم من أهميتها ووجاهتها، فإنها ظلت سجينة لخطاب تجمع مفرداته وعناوينه الكبرى على الوضع المتأزم لمنظومة التربية والتكوين. وإذا كان الاتفاق يحصل من قبل مختلف الفاعلين على تجليات هذه الأزمة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فإن التباين يبرز بشكل أساسي، وفق منظورنا الخاص، حول البدائل والصيغ المقترحة لتجاوزها نحو بناء أسس مدرسة متماسكة في آليات اشتغالها ومنسجمة مع حاجيات زبنائها ومتطلبات التنمية السوسيواقتصادية. وفي هذا الإطار، وإذا استحضرنا الحاجة الملحة لمجتمعنا المغربي لتنمية بشرية واجتماعية مستدامة، وما أصبحت تتطلبه هذه التنمية من استثمار مبدع في العنصر البشري عبر تأهيله وإعداده لمجابهة التحديات في زمن تحول فيه العالم إلى قرية صغيرة تلاشت فيها الحواجز في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...الخ، وانهارت فيها الحدود الزمانية والمكانية للعمل والتربية والتعلم، وبدأت تؤسس لانقلاب في أنماط العمل وأنواع المهن وأشكال التكوين والتعلم؛ فإننا نغدو أكثر إدراكا وتفهما للدعوات والخطابات المنادية بإصلاح النظم المدرسية: فلسفات ومبادئ وتوجهات وبنيات ومضامين وآليات اشتغال وتفاعل مع المحيط الاجتماعي العام، وذلك بهدف إقدارها على الإسهام الفاعل في تكوين التلميذ/المواطن، عبر إكسابه منظومة من الكفايات الضرورية لحياة معقدة أصبح فيها التحول والتغيير هو القاعدة؛ والثبات والاستقرار هو الاستثناء. منسق مركزي للتوجيه التربوي / الرباط