هناك إدراك موضوعي من لدن جميع المغاربة بجميع مستوياتهم وفئاتهم بأن المغرب يعيش في هذه المرحلة عدة صعوبات وعلى رأسها مشكلة الفقر والتهميش الاجتماعي.وحينما أطلق جلالة الملك من خلال خطابه الأخير المبادرة الوطنية للتنمية فقد أعلن بين يديها عن تشخيص شجاع وموضوعي للحقائق الاجتماعية الميدانية، وانطلاقا من إدراك واع لخريطة الفقر في المغرب التي لا تشكل فيها الجماعات المستهدفة في المرحلة الأولى إلا الجماعات الأكثر خصاصا واحتياجا. وحين دعا جلالته إلى مقاربة مندمجة، فإن ذلك كان يعني بالملموس أن المقاربات الحكومية، التي اتبعت لحد الساعة رغم الشعارات المرفوعة التي حول أولوية القضية الاجتماعية في البرنامج الحكومي، فشلت ودلت على عجز الحكومة الحالية رغم جدية الوزير الأول ونزاهته الفكرية وكفاءته المهنية، وليتأكد أنها مقاربات قاصرة لم تقد إلا إلى مزيد من التهميش. ولقد كانت قناعتنا منذ تعيين هذه الحكومة واعتباراً للظروف التي تشكلت فيها ولمنطق الترضيات التي حكمت، أنها غير مؤهلة بنيويا على أن تقدم إنجازاً يمكن أن يبعث الأمل في نفوس الشباب والمعطلين والفئات والجهات الأكثر فقراً واحتياجاً. من الطبيعي جداً أن تتزايد الحركات الاحتجاجية بغض النظر عن مدى صوابية مطالبها وتتكاثر فذلك مظاهر ازدياد حركة الوعي بالحقوق والرغبة في ممارستها. وينبغي القول بكل إنصاف وموضوعية إن ذلك مظهر من مظاهر اتساع هامش الحرية وتعبير عن وجود إرادة سياسية لدى العهد الجديد للمضي قدما في هذا الاتجاه. ولكن ينبغي بالمقابل أن نسجل أن كثيرا من الوقائع والأحداث ومنها مواجهة الحركات الاحتجاجية بالقمع الشديد قد تدفع إلى القلق أو التشكيك لدى البعض في تلك الإرادة السياسية. لكننا لا نذهب هذا المذهب ونفسر هذه المراوحة بالعجز الحكومي المتواصل في الإنجاز الملموس في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعل الحكومة تملأ البياضات في سجل الإنجازات بالقمع والمواجهة، ويفسح المجال للمقاربات الأمنية خشية أن تتحول الاحتجاجات الاجتماعية إلى توثرات ذات انعكاسات سياسية. وإذا كنا نحمل المسؤولية للحكومة سواء على المستوى الأول أو على المستوى الثاني نظرا لعجزها في مجال الإنجاز مما يخلق أجواء مشحونة قد تكون مرجحة للتوثر، ونرى أن مسار المغرب نحو الدمقرطة وتوسع مجال الحريات والحقوق مسار لا ينبغي التراجع عنه، فإننا في المقابل نعلن رفضنا لكل استغلال سياسي مغرض من قبل خصوم الوحدة الترابية. ولئن كان من حق الشباب المغربي الصحراوي أن يخرج محتجاً على تدهور أوضاعه الاجتماعية، وعلى معاناته من ضعف فرص التشغيل، وعلى كل أشكال الامتيازات التي استفاد منها البعض في إطار المقاربة السابقة لملف استكمال وحدتنا الترابية، فإن المغاربة جميعا بما في ذلك ضحايا سياسات الحكومة غير الاجتماعية سيقفون بالمرصاد لكل توظيف من هذا النوع، ولقد عبر المعطلون تعبيراً دالا ووطنيا مسؤولا عن هذا المعنى حينما شاركوا بكثافة في مسيرة 6 مارس الوطنية بالرباط تضامنا مع المحتجزين في معسكرات تندوف، ومن ناحية إن هذا الاحتجاج يفقد منطقه ومبرره عندما يكون على قضايا لا علاقة لها بالقضايا الاجتماعية المشروعة، مثل ما حصل بالعيون الأسبوع الماضي عندما كان السبب هو رفض ترحيل سجين محكوم في قضايا مخدرات. وكما أن المغرب من خلال المبادرة الوطنية للتنمية قد تعامل بشجاعة فشخص بشجاعة مظاهر الخصاص في السياسة اللاجتماعية للحكومة، فإنه قد آن الأوان لمراجعة جذرية للتعامل مع الأقاليم الجنوبية المسترجعة بعيداً عن سياسة الريع والامتيازات التي استفادت منها تلك الأقاليم، والتي انتهت في الواقع إلى امتيازات لبعض الأشخاص والمجموعات. آن الأوان لإقرار جهوية موسعة تستفيد منها جميع جهات المغرب وفي مقدمتها الأقاليم الجنوبية . وآن الأوان لتعزيز الديموقراطية المحلية بما يؤدي إلى إنتاج نخب مغربية صحراوية تمثل السكان تمثيلا حقيقيا. وآن الأوان أيضا كي تتحمل الأحزاب الوطنية مسؤوليتها لكن ذلك غير ممكن دون إصلاحات دستورية وإصلاحات في النظام الحزبي والنظام الانتخابي، وإقرار طبقة سياسية ومجالس منتخبة محلية ووطنية وحكومة تعبر تعبيراً أميناً عن الخريطة السياسية وعن تطلعات المواطنين.