ما حصل يوم الخميس 12 نونبر 2009 في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية من قبول تعديل جوهري في نظام المعاملات الإسلامية يمثل نقطة انعطاف ينبغي تسجيلها وتقديرها لما سينتج عنه من آثار معتبرة على الحركية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، ذلك أنه بعد سنتين من اعتماد نظام التمويلات البديلة قبلت الحكومة أن تنصف جزءا من هذا النظام وبالقروض المقدمة في إطار المرابحة، وأن تخضعها لنفس نظام الضريبة على القيمة المضافة الذي تخضع له القروض الكلاسيكية القائمة على أساس الفوائد. ماذا يعني ذلك؟ من الناحية المالية فذلك يعني مراجعة عميقة ستنهي حالة حيف وظلم شديدين، وإن اقتصرت على قروض المرابحة واستثنت قروض الليزينغ أو الإجارة وغيرهما، ذلك أن القروض المقدمة في إطار المرابحة كانت تخضع لضريبة على القيمة المضافة بقيمة 20 في المائة، وتحتسب على مجموع قيمة القرض مضافا إليها هامش ربح البنك، في المقابل كانت القروض المقدمة في إطار نظام الفائدة الربوية تستفيد من ضريبة على القيمة المضافة بقيمة 10 في المائة، وتحتسب انطلاقا فقط من ربح البنك المتمثل في الفائدة، بما يجعل الفرق بين كلفة المرابحة من الناحية الضريبية وكلفة القروض الربوية التقليدية كبيرا؛ لتبلغ قيمة ما يؤديه المقترض ضريبيا ما يفوق أحيانا بنسبة 150 في المائة قيمة ما يؤديه للبنك، والنتيجة كانت نفورا من التمويلات البديلة بالرغم من أنها حققت رقم معاملات في السنة الأولى ونصف من اعتمادها بقيمة 500 مليون درهم هي مجموع القروض التي قدمت في إطارها. من الناحية الاقتصادية، عبرت عن وجود إرادة لإقرار نظام تنافسي حقيقي لا تنحاز فيه السياسية الضريبية ضد التمويلات الإسلامية لمصلحة التمويلات الربوية الكلاسيكية، وهي الإرادة التي ينبغي تثمينها وتقويتها بالرغم مما قد يلاحظ من حصول تأخر في العمل بمقتضاها أو في إعمالها جزئيا، لكن وجودها عنصر قد يمكن المغرب من استدراك التقدم الذي سجلته دول كثيرة في الباب وآخرها فرنسا، فضلا عن دول لا تتردد في الدفاع عن علمانية بعض توجهاتها مثل تونس، وللعلم فإن مقترح التعديل تقدم به فريق العدالة والتنمية المعارض وتفاعلت معه حكومة يقودها حزب لا يمكن إغفال رصيد مؤسسه الزعيم علال الفاسي في هذا المجال، وهو ما يعني أن التوتر السياسي القائم لم يكن عنصر إفشال للتفاعل الإيجابي مع المقترح الذي تم التقدم به، كما تبرز قيمة مشاركة سياسية للحركة الإسلامية وترفض الانزواء تحت إكراهات الضغوط والمناورات. ومن الناحية الحضارية، فإن ذلك التعديل محطة بالرغم من جزئيتها من أجل تعزيز مسار المصالحة المنشودة بين مقتضيات الهوية الإسلامية العربية الأمازيغية للمغرب وبين أنظمته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وينبغي هنا التذكير بأن التعديل الذي تحقق هو جزء من سيرورة انطلقت منذ حوالي 30 سنة عندما كان يثار موضوع الاقتصاد الإسلامي على احتشام بكليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب؛ ليواجه بالاستنكار والرفض وأحيانا الاستهزاء، واليوم أصبح الحلم حقيقية وأثمرت مسيرة الألف ميل ثمرتها الأولى بإقامة أول نظام تنافسي في هذا المجال. قد ترتفع بعض الأصوات متحدثة عن الرضوخ للضغط الأصولي ليربطه بمصطلح التضليل الحداثي والمسمى ب الاستقلال الذاتي لمهاجمة أداء بعض الجماعات المحلية، وغير ذلك من مصطلحات أسطوانة مشروخة استغلت في الآلة الاستئصالية سابقا وبارت ليسعى البعض لإحيائها، ليس ضدا على حراك ديموقراطي صحي بل وضدا على الاقتداء بما تجود به فرنسا التي مازلت عند بعضهم منارة الحداثة؛ لكنها اليوم تنفتح وبسرعة أكبر من سرعة المغرب على النظام الاقتصادي الإسلامي، فما يقع في عاصمة أنوار الغرب هو الرد البسيط عليهم.