باتت بعض مراكز النداء وجهة اضطرارية للكثير من الطلبة والشباب، ولو أنها مهنة مؤقتة، إذ يلجؤون إلى عدم التصريح لإدارة المراكز بمتابعتهم للدراسة، وكشف بعضهم على كون هذه المهنة تشوبها شوائب كثيرة في العديد من المراكز التي عملوا بداخلها، خاصة تلك التي تعمل في العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء أو في الرباط. وقد كشف أحد العاملين في اتصال مع التجديد أن الأمر يتجاوز الأعمال الظاهرة والمتعلقة بالترويج لبعض المنتوجات الخاصة بشركة أو شركات في فرنسا أو غيرها، ليشمل مواد أخرى كالخمور لتلبية حاجيات الزبناء. وينجر بعض الشباب ومن ضمنهم خريجو الجامعات إلى الاشتغال في هذه المراكز دون علم مسبق بطبيعتها وطبيعة المواد التي يتم الترويج لها، وأكد حسن، الذي اتصلت به التجديد لمعرفة أجواء عمله، أنه في البداية تقبل العمل بفرحة كبيرة لكونه ظل عاطلا عن العمل لمدة أزيد من ثلاث سنوات، وأخذ الأمر بحزم ليبدأ عمله في أحد مراكز النداء بالدارالبيضاء، قبل ان يفاجئ أهله بترك العمل بعد أقل من شهرين، والمبرر هو كونه صدم بواقع تسخيره لتلبية رغبات الزبائن في إطار لم يكن يشعر فيه بالراحة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتلبية رغبة في الخمر أو ما شابه ذلك. ويحكي حسن على كون الشهرين اللذين قضاهما في مركز النداء عن مشاهد خطيرة يتحول فيها العامل إلى كل شيء لتلبية رغبة الزبون، وبأمر من مدير المركز، مؤكدا أن ما يريده مدير المركز هو استمرار رقم الزبائن وعدم فقدانهم وعدم خسارة أي منهم، بينما يتعرض العامل لكل أنواع الإهانة. وكشف حسن على كون المركز الذي اشتغل فيه يلبي طلبات مغاربة يقطنون في أحياء راقية أحيانا، ولا علاقة لهم مع الشركات الفرنسية التي يتعاملون معها، لقد طلب مني أن أذهب بالخمر إلى أحدهم في فيلا بالدارالبيضاء فرفضت، وهو ما أدى إلى بداية التوتر. ويعتبر حسن أن من بين الأمور الأكثر خطورة في مراكز النداء هاته، هي تحويل الشخص إلى شيء، يعمل كآلة صماء تستجيب لنداءات الآخرين، وعليه أن لا يناقشهم، وأن يلبي رغباتهم بالشكل المطلوب، وإلا فإن المصير هو الخروج من العمل، ويتجاوز الأمر ذلك يضيف حسن، إلى استغلال بعض الشباب في تلبية رغبات أخرى، كما تقوم بذلك بعض الفتيات اللواتي يلجأن إلى تلبية رغبات خارج مسميات العمل. أما صديق حسن، فقد رفض البقاء في أحد مراكز النداء ولو لأسبوع، واعتبر أن الأمر كان تجربة لمعرفة مغرب آخر، مغرب كل شيء فيه مباح، فقد سمعت كثيرا عن مراكز النداء، لكنني لم أكن يوما أتصور أن من بينها من يشتغل في تلبية حاجيات مثل الخمور، وما كنت أتصور أن فيها ما فيها من علاقات غير محدودة بين الذكور والإناث، لا تحد أحيانا في مقر العمل، قرر ياسين الخروج من عمله بعد خمسة أيام ، رغم أنه في حاجة إليه... ويخضع العاملون بالمراكز إلى التكوين داخلها لمدة تتراوح بين يومين وأسبوعين، ويتركز التدريب خلال هذه المرحلة على مساعدة العامل الجديد على تجاوز الصعوبات التي قد تعترضه خاصة في لغة التواصل مع الزبناء، كما تشكل المرحلة فرصة للوقوف عن كثب على إمكانات العامل، وبإمكان هذا الأخير أن ينتقل إلى الخطوة الثانية، وهي ممارسة عمله إذا توفرت فيه الشروط المطلوبة، وإلا يستغنى عنه. ويعد غالبية المستثمرين بهذا القطاع من الأوروبيين، وتتجلى أهمية المراكز في أنها تلبى حاجة العديد من الشركات إلى تقريب المنتوج أو الخدمة إلى المستهلك، بحيث تجري تلك المراكز اتصالات مع زبناء محتملين، وإذا تم الاتفاق فإن المنتوج يصل إلى مسكنه، وقد استفادت تقنيات البيع الموظفة في المراكز من التكنولوجيا الحديثة (هواتف وانترنيت...) بهدف الرفع من المبيعات، وبالتالي الرفع من المردودية والتأقلم مع جميع المستجدات. مستقبل البيع عبر الأسواق الافتراضية تحكمه مجموعة من الأسئلة حول مدى قدرة المغرب على التحكم في وظائفه حتى لا يتحول إلى مراكز للترويج إلى أشياء أخرى خارج نطاق دفاتر التحملات بتغطية قانونية، خاصة وأن المغرب يعج بمراكز النداء، وصارت لديه عشرات المراكز، بلغ عددها حوالي 160 حسب إحصائيات السنة الماضية، في ظل تخوفات من أن يظل بدون رقابة.