((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق فضيقوا عليه بالجوع والعطش)) إن أخطر عدوين على الإنسان النفس والشيطان.. والشيطان أكثر خطورة عليه من النفس، بدليل الكتاب والسنة.. وقد أكد هذا وبينه بتفصيل مقنع الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه (إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان) ومما جاء فيه قوله: ((الباب الثاني عشر في علاج مرض القلب بالشيطان: هذا الباب من أهم أبواب الكتاب وأعظمها نفعا والمتأخرون من أرباب السلوك لم يعتنوا به اعتناءهم بذكر النفس وعيوبها وآفاتها فإنهم توسعوا في ذلك وقصروا في هذا الباب ومن تأمل القرآن والسنة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس فإن النفس المذمومة ذكرت في قوله : ((إن النفس لأمارة بالسوء)) يوسف : 53 واللوامة في قوله : ((ولا أقسم بالنفس اللوامة)) القيامة : 2 وذكرت النفس المذمومة في قوله : ((ونهى النفس عن الهوى)) النازعات : 40 وأما الشيطان فذكر في عدة مواضع وأفردت له سورة تامة فتحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس وهذا هو الذي لا ينبغي غيره فإن شر النفس وفسادها ينشأ من وسوسته فهي مركبه وموضع شرعه ومحل طاعته وقد أمر الله سبحانه بالاستعاذة منه عند قراءة القرآن وغير ذلك وهذا لشدة الحاجة إلى التعوذ منه ولم يأمر بالاستعاذة من النفس في موضع واحد وإنما جاءت الاستعاذة من شرها في خطبة الحاجة في قوله ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا كما تقدم ذلك في الباب الذي قبله وقد جمع النبي الاستعاذة من الأمرين في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : يا رسول الله علمني شيئا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت قال : قل : اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك فقد تضمن هذا الحديث الشريف الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس أو من الشيطان وغايته : إما أن تعود على العامل أو على أخيه المسلم فتضمن الحديث مصدري الشر اللذين يصدر عنهما وغايتيه اللتين يصل إليهما)). ومن الأسلحة الفتاكة الناجعة في رد كيد الشيطان وقهره: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم قال تعالى: ((فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون النحل : .98 والاستعاذة هي: الامتناع بالله والاعتصام به.. ((ومن يعتصم بالله فقد هدي لإلى صراط مستقيم)). وثاني الأسلحة هو التحكم في الذات بتسليط الجوع والعطش عليها، كما ورد في الحديث النبوي الشريف: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، فضيقوا عليه بالجوع)).. فالشيطان يتسلل إلى باطن الإنسان من أخطر القنوات وأشرفها فهو يتسلل من القنوات الحيوية فيه والتي تحمل الحياة والنشاط لكل عضو من أعضاء الجسم.. وتسلل الشيطان منها يعني أنه يمر بكل الجسم ويضع في كل مكان ما استطاع من سمومه التخديرية للوعي الإنساني ليضعفها ويخضعها لسلطانه.. والسلاح الدفاعي التحصيني منه هو أن نسلط عليه الجوع ونضيق عليه المنافذ حتى يضج وينقهر وخصوصا إذا كان جوع العبد بمقصد التعبد والتقرب إلى الله سواء كان بنية الصيام وهو الأفضل أو بنية الاتباع للهدي النبوي بإقلال الطعام واجتناب الإسراف فيه.. والإبقاء على الإحساس اللطيف بالجوع فيه احتياط لسلوك الاتباع.. وبالصيام عموما ورمضان خصوصا نتربى ونتثقف ونتمرن على استعمال هذا السلاح أحسن ما يمكن استعماله بما يوافق الشرع الحكيم وتحقيق مقاصده..