الدعوة التي أطلقتها المجموعة الصغيرة التي سمت نفسها الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية من أجل التجمع في مدينة المحمدية والإفطار العلني بها تحت مسمى الدفاع عن الحرية الفردية، تدفعنا إلى التساؤل عن المآل الذي انتهى إليه مفهوم الحرية والطريقة التي يتم النظر بها إلى القانون. فمن جهة، نسجل منذ صدور نداء الحريات الفردية، تواتر الحديث عن بعض الحقوق التي تخالف الإجماع المغربي، وتخالف القانون، من ذلك الحديث عن الحق في الزنا بحجة التراضي والتوافق بين الرجل والمرأة، ومنه أيضا الملف الإعلامي الذي تناولت فيه مجلة تصدرها جريدة وطنية ما يسمى بالكونكيبناج والذي وصفته بكونه حياة بدون عقد ، وقبل ذلك، صورت بعض الصحف قضية الشذوذ الجنسي باعتباره من الحقوق الفردية، ودعت إلى التسامح مع المثليين وتفهم مواقفهم وسلوكاتهم الجنسية المثلية، وأمثلة أخرى كثيرة، كلها تندرج ضمن فهم خاص للحرية الفردية، يتجاوز الإجماع المغربي، ويناقض الثوابت المجتمعية التي توافق عليها المغاربة وعبر عنها النص القانوني. الجديد في القضية، أننا، ومن خلال هذه الحركية التي قامت بها أقلية معدودة، على وشك أن ندخل منعطفا جديدا في التدافع القيمي، يحاول فيه البعض أن ينتقل من مرحلة النقاش العمومي إلى مرحلة الفعل والحركة، والغريب أن الاختيار الذي لجأت إليه هذه المجموعة يطرح معه العديد من الأسئلة: إذ ما خلفية أن يكون أول نشاط تقوم به يستهدف صيام المغاربة وركن من أركان عبادتهم؟ ولماذا بالضبط الإعلان عنها على موقع سريع التداول مثل الفايس بوك؟ وما القصد من اختيار الإفطار العلني في مكان عمومي وليس في بيت من بيوت أعضاء المجموعة؟ هذه الأسئلة لا تفتح إمكانيات متعددة للإجابة، لاسيما وأن تصريح العضو المؤسس لهذه المجموعة - زينب الغزوي- أكد أن الهدف هو أن يمنح للمفطرين حق الوجود وحق الإفطار مثلهم في ذلك مثل الصائمين، وأن يتم تصعيد الاحتجاج من أجل حذف الفصل 222 من القانون الجنائي والذي يجرم الإفطار. هذا التصريح يجعلنا ننتهي إلى خلاصة في الموضوع، مفادها أن الضيق بالثوابت المجتمعية عند البعض وصل إلى الدرجة التي تستدعي تحريك المجتمع- باسم الحريات الفردية- من أجل إعادة النظر في الإجماع المجتمعي على النحو الذي يصير فيه صوم رمضان اختيارا سلوكيا وليس موقفا عاما للشعب المغربي. معنى هذا أن مدخل النقاش العمومي لم يعد مفيدا وحده، وأن المدخل الذي صار المعول عليه هو الجرأة على رمضان وعلى غيره من الثوابت التي لا شك أن ترتيبات وأنشطة قادمة ستأتي لاستهدافها. هذا من جهة الفهم الجديد للحرية، أما من جهة القانون، فلأول مرة يظهر شكل جديد من أشكال الاحتجاج عليه، إذ عادة ما يحظى القانون بإجماع الأمة، وحتى الذين يرون في فصل من فصوله ما يستدعي التغيير أو التعديل، يعبرون عن انتقاداتهم، لكنهم أبدا لا يعتبرون مدخل تغيير القانون هو انتهاكه، وهو الشكل الجديد الذي عبرت عنه هذه الحركة حين عبأت أعضاءها وناشطيها، وطلبت منهم إحضار وجبات غدائهم للإفطار العلني في فضاء عام متحدية بذلك القانون ومستفزة بذلك الشعور الإسلامي للمغاربة. أمام هذه الحيثيات الخطيرة، وهذا المنعطف الجديد في فهم الحرية والتعامل مع القانون، ننتظر الشكل الذي ستتعامل به الدولة مع هذه الأقلية، هل ستكتفي بتفريقهم كلما أعادوا الكرة، ودعوتهم إلى ممارسة حقهم في الإفطار داخل بيوتهم كما كان يقول لهم بعض المسؤولين الأمنيين، أم أن الجهات المسؤولة ستعمد إلى تطبيق القانون وإعطائه الهيبة التي يستحق، وفرض احترام الشعور العام للمغاربة في هذا الشهر المبارك. إن التساهل الذي تتعامل به الدولة، خوفا من تقارير الخارج والتداعيات الإعلامية لمواقفها، هو الذي يدفع هذه الأقلية إلى أن تتوسع شبكتها وتتجرأ أكثر ليس فقط على الإفطار العلني في شهر رمضان، ولكن على كل الثوابت الدينية وعلى أسس الإجماع المغربي. فهل سيكون سلوك الدولة فارضا لهيبة القانون؟ أم أنها ستدفع بتساهلها هذه الأقلية إلى أن تصير أكثرية؟