ثمة هناك حاجة إلى قراءة متمعنة في حدث إقدام المجموعة التي سمت نفسها الحركة البديلة من أجل الدفاع عن الحريات الفردية بمحاولة الإفطار العلني بالمحمدية، وما صاحبه من تداعيات إعلامية محلية وخارجية. ولعل أول ما يستدعي الاهتمام في هذا الحدث هو الحضور الإسباني فيه، والذي تمثل في حضور صحفيين إسبانيين إلى عين المكان، والتغطية التي قاموا بها للحدث، فالاهتمام الكبير الذي أبدته بعض المؤسسات الصحفية الإسبانية، لا يمكن أن يفسر فقط بالاعتبار المهني وأداء المهمة الصحفية، فالعناوين التي أبرزتها بعض هذه الصحف تؤكد بأن الأمر تجاوز هذا الاعتبار، إلى محاولة الضغطمن أجل فرض أجندات قيمية تصادم الثوابت الدينية للمغاربة، وتستهدف، باسم الحريات الفردية، قوانين صريحة تحصن الإجماع الديني الوطني، وتجرم أي استفزاز للشعور الديني العام للمغاربة. جريدة إلموندو، وفي عنوان ساخر، استغربت الحضور الأمني المكثف (100 رجل أمن) الذين تواجدوا مبكرا في محطة القطار بالمحمدية فقط لمواجهة 10 سندويشات، وقالت في خلفيتها للخبر، إن العديد من المغاربة لا يصومون رمضان، ويفضلون إخفاء هذا الأمر بسبب الخوف من الملاحقة الأمنية. وبنفس الطريقة الساخرة، كتبت جريدة لاريوخا الإسبانية، تقول بأن: 100 رجل أمن لم ينقلوا عيونهم على هؤلاء الناشطين الذين لم يتجاوز عددهم عشرة!، معتبرة رغبة هذه المجموعة في الإفطار هي الوجه الآخر لرمضان. لا شك أن هذه التغطية الإعلامية الساخرة تحمل أكثر من دلالة، خاصة وأنها تؤكد على ما يسمى بالكسر الرمزي لرمضان، وهو نفس المسلك الذي اسلكه بعض الناشطين الحقوقيين الذين، بدل أن يتوجهوا باللوم إلى السلوك الذي أقدمت عليه هذه المجموعة، والذي يمس بالشعور الديني العام للمغاربة ، توجهت بالنقد إلى الفصل 222 من القانون الجنائي؛ معتبرة إياه منافيا لمبادئ حقوق الإنسان مناصرة بذلك هذه الفئة في التعبير عن حقها في الإطار العلني! والحقيقة، أننا أمام حالة مشابهة للحركية التي حاول أن يطلقها منسق حركة كيف كيف لشواذ المغرب من خلال خرجات إعلامية ولقاءات مع جمعيات حقوقية ودعم خارجي إسباني. يبدو أن الحالة تتكرر كلما تعلق الأمر باستهداف الثوابت الدينية والإجماع المغربي، إذ يتم افتعال الحدث، وتغطيته إعلاميا، ويُستثمر الناشطون الحقوقيون للضغط على الدولة لتجميد المقتضيات القانونية الزجرية حتى تصبح سياسة التساهل هي الأصل، ويبطل مفعول هذه القوانين تدريجيا، وتزداد الجرأة على الثوابت وتصبح الأقلية أغلبية، ويخلق رأي عام لا يرى حرجا في الإفطار العلني في الأماكن العمومية. يبدو أن الحاجة أضحت ملحة ليدرك بعض من الجسم الحقوقي والإعلامي المأزق الفكري الذي يقعون فيه حين يأخذون مبادئ حقوق الإنسان من غير قراءتها في سياقها التكاملي ومن غير عرض النصوص على بعضها البعض، وحين يغيبون الخصوصية المحلية التي يترجمها القانون المعبر عن إرادة الأمة. ويبدو أن هذا الجسم في حاجة أكثر إلى إعادة قراءة ما جرى في مدينة القصر الكبير لفهم التداعيات التي يمكن أن يصل إليها استفزاز الشعور الديني للمغاربة، وعرض ذلك على مقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لاسيما ما يتعلق بالمادة 20 في فقرتها الثانية والتي تحظر كل دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، أو تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف، وما تقتضيه من اخترام للأغلبية،فضلا عن ان الميثاق العالمي لحقوق الانسان تنص على حق الدول في وضع قيود على الحرية بمقتضى القانون.