في الوقت الذي أطلق فيه بيت مال القدس حملته الرمضانية للدفاع عن الأقصى وحماية أهله، تبرز قضية تحريك مسلسل التطبيع مع العدو الصهيوني، والتي تتالت مؤشراتها في الآونة الأخيرة بعد كشف تصاعد السياحة الصهيونية، والتي فضح قرار التحذير الصهيوني من وجود مخاطر أمنية بالمغرب عن حجمها ومدى انتشارها وتغلغلها بلغ حد مطالبة إسرائيل للدول المغاربية بضمانات أمنية لإلغاء التحذير!، وتقدم النشاط التجاري المتنامي مع شركات الدولة العبرية، فضلا عن الإصرار الشديد من قبل أقلية معزولة على استغلال الأمازيغية بطرق غير بريئة لمصلحة ما يسميه توثيق الصلات التاريخية بين الأمازيغ واليهود الإسرائيليين الذين هاجروا إلى إسرائيل، والتي وردت في وثائق جمعية للصداقة ترفع شعار مناهضة العنصرية، لكنها تناست أن المشروع الصهيوني أخطر مشروع عنصري قائم حاليا في العالم، وهو استغلال نجد في برنامجه تنظيم لقاءات مع وفود إسرائيلية كما جرى مؤخرا في الصويرة، أو ما يجري التخطيط له من قبيل زيارة الكيان الصهيوني. في ما سبق ثلاث مؤشرات عن وجود توجه يعمل على استغلال كل الأوراق المتاحة، من أجل تأسيس واقع تطبيعي يمهد لفتح مكاتب اتصال جديد بحسب ما تفيد بذلك الضغوط الأمريكية، وهو توجه يقتضي توضيح أمرين: أولا، أن تاريخ التطبيع والاختراق الصهيوني للمنطقة معروف بلعبه ورقة التعدد اللغوي والثقافي والإثني، وهو الأمر الذي نجده في كردستان العراق وجنوب السودان ولبنان، إلا أنه في الحالة المغربية يبدو مستفزا ومبالغا فيه، ذلك أنه في الحالات الأخرى كان جليا أن الموقف المدافع عن التطبيع كان موقفا معبرا عن توجهات مؤثرة ووازنة في الساحة الإثنية والثقافية واللغوية، أما في حالة المغرب فإن المتأمل في حركية التطبيع الميداني يجدها عربية أكثر منها أمازيغية، كما أن منشئها ارتبط بفعاليات عربية، ومثل هذا التنبيه ضروري حتى لا نسقط في فخ النظر لكل فعل تطبيعي على أنه فعل أمازيغي والعكس بالعكس، وهو الأمر الذي يحتم تشجيع مواقف النشطاء الأمازيغيين على التعبير عن رفض استغلال الأمازيغية لمصلحة مشاريع سياسية تطبيعية مع المشروع العنصري الأول في العالم، ألا وهو المشروع الصهيوني، مع التأكيد على ما شهدته فترة العدوان على غزة من حملات تضامن ونصرة قوية وخاصة في الريف وسوس والأطلس. ثانيا، أن التطبيع ومعه سياسات الاختراق الصهيوني معروف أيضا بلعبه ورقة التجزئة، وهي التي نجدها في الحالات الأخرى جلية، وخاصة مع جنوب السودان وكردستان العراق، وفي حالتنا يبدو الأمر وكأنه قدر، ذلك أن الموقف الدولي من قضية الصحراء أصبح مرتبطا بفعالية اللوبي اليهودي في عدد من الدول الكبرى، وخاصة في أمريكا، وقد يكون ذلك صحيحا جزئيا، إلا أن تجدد توظيفه في كل لحظة وحين، جعله يقدم بشكل أسطوري وكأن الحل أصبح بيدهم، في حين أن المغرب بحكم موقعه وإمكاناته وكذا حساسية التوازنات الاستراتيجية في المنطقة المغاربية، أتاحت للمغرب نهج سياسة مكنته من تدبير تقلبات ملف الصحراء دون أن يكون ذلك على حساب القضية الفلسطينية أو خدمة سياسات التطبيع. بكلمة؛ إن مشروع التطبيع مشروع يستهدف المغرب ككل، ومخاطره تفرض وعيا وطنيا شموليا يعبئ كافة القدرات.