يبدو هذا السؤال غريباً للوهلة الأولى، لأن الأصل أن إنهاء الانقسام هو لمصلحة الشعب والقضية، لكن الواقع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة لا زال يشير إلى شيء آخر، لا سيما إذا سارت الأمور وفق ما تريد قيادة السلطة وكثير من المتعصبين لحركة فتح، بخاصة في الخارج، أو الذين يتعاملون مع القضية بمنطق الثأر في الداخل. لو سألت أي من هؤلاء وهؤلاء عن السيناريو الطبيعي لمسار المصالحة، فليس ثمة سوى رد واحد. إنها انتخابات رئاسية وتشريعية سيتواطأ العالم على ضمان فوز حركة فتح ومن حولها من الفصائل فيها، بصرف النظر عن النسبة التي ستحصل عليها حركة حماس، وبذلك تعود الأوضاع إلى ما كانت عليها قبل انتخابات مطلع 2006. ثم ماذا بعد ذلك؟ سيحمل الرئيس محمود عباس الشرعية الجديدة (ومعها شرعية القيادة لفتح إذا سارت أمور المؤتمر السادس بحسب مخطط) ويكرس من خلالها واقع السلطة ـ الدولة القائم حالياً في الضفة بعد ضم القطاع إليها، مع استئناف المفاوضات مع دولة العدو ضمن واقع عربي ودولي مؤيد لاستمرار الهدوء، ومؤيد أيضاً لتقديم الفلسطينيين والعرب تنازلات تشجع نتنياهو على السلام، وهذا الواقع القائم في الضفة برعاية الجنرال دايتون سيتطور بالتدريج حتى يأمن الإسرائيليون على أنفسهم تماماً، ويسلموا مهمات الأمن إلى أجهزة السلطة فتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه عشية اندلاع انتفاضة الأقصى، أيلول 2000. بعد ذلك تتواصل المفاوضات، فإما أن تنتهي بصفقة نهائية لا خلاف على أنها ستكون بائسة في ضوء شروط نتنياهو للدولة الفلسطينية، والتي لن تغدو مقبولة مهما تحسنت، وإما أن يبقى الوضع على ما هو عليه: في تكريس عملي لفكرة السلام الاقتصادي الذي تحدث عنه نتنياهو نفسه، أي أننا إزاء سلطة فلسطينية هي أقرب للدولة لها نزاع على بعض القضايا الحدودية والسيادية مع جارتها تحل عبر الأطر التفاوضية. القضية إذن ليست بين فتح وحماس، والذي يحاورون في القاهرة باسم فتح هم ممثلون للسلطة حتى لو قدموا أنفسهم كممثلين لفتح، وإلا فأين أعضاء اللجنة المركزية للحركة مما يجري، وأين هم من مسار المصالحة العتيد؟. الذين يحاورون حماس في القاهرة هم أولاً: المصريون المعنيون بالتخلص من صداع الحركة في قطاع غزة، إلى جانب استعادة الدور من بوابة تحقيق المصالحة، مع الحصول على الرضا الأمريكي تمهيدا للتوريث، وثانياً من يتبعون حزب السلطة من حركة فتح، بدليل بطاقات الفي آي بي التي يحملونها، مع العلم أن مسار المؤتمر السادس قد ينتهي إلى تحوّل هؤلاء رسمياً إلى ممثلين لقيادة فتح، ولكن بعد اندماجها العملي في حزب السلطة المشار إليه. هل هذه النتيجة هي التي يريدها دعاة المصالحة للقضية الفلسطينية؟ إذا كان هناك من يريدها، فالمخلصون الحقيقيون لا يريدونها حتى لو رضيت بها حماس تحت وطأة الأمر الواقع من حصار وضغوط. والانتخابات التي لن تفضي إلا إلى أحد احتمالين (فوز حماس المستبعد للظروف السالفة الذكر، وعودة مسلسل الحصار أو دفعها نحو قبول حل مشوّه يفرط بالثوابت، أو فوز فتح السلطة واندماج القضية في السلطة القائمة وصولاً إلى حل مشوه أو بقاء الوضع القائم)، فهل في مثل هذه الانتخابات، وقبلها المصالحة التي ستفضي إليها خيراً للقضية؟،. المصالحة وإنهاء الانقسام يجب أن يتم في الداخل والخارج، لأن انتخابات الداخل لا تمثل كل الفلسطينيين، والأصل هو إعادة تشكيل منظمة التحرير كقيادة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج على أسس ديمقراطية، وعندها سيكون بوسع قيادتها أن تحدد أسس التحرك المقبل للشعب الفلسطيني، بعيداً عن سطوة الاحتلال وشروطه وبرنامج الجنرال دايتون. إذا تم ذلك، فلن يختار قادة الشعب الفلسطيني الحقيقيون المنتخبون غير المقاومة سبيلاً لتحرير فلسطين، وفي ميدان المقاومة يتوحد الناس، بينما ينقسمون على سلطة بائسة يتحكم الاحتلال بها من كل جانب ويجيّرها لصالحه على مختلف الأصعدة. خلاصة الموقف هي أن الانقسام القائم خير من مصالحة تضعنا جميعاً أسرى سلطة يتحكم بها الجنرال دايتون والمانحون الدوليون الذين يدفعون على إيقاع المصالح الإسرائيلية.