عرفت الساحة الفنية ببلادنا تحولات هامة على مستوى الأشكال والمضامين. وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد الكريم برشيد، الباحث و الكاتب المسرحي: في الواقع كانت هناك تحولات على مستوى اكبر على المستوى الدولي، تمثلت في انهيار جدار برلين و ذهاب ذلك التقسيم الثنائي بين اليمين و اليسار، بالمفهوم الكلاسيكي المعروف، و ظهور مفاهيم جديدة أكثر واقعية وأكثر مادية، هذا المناخ العام كان له تأثير على الحياة الثقافية المغربية، بالإضافة إلى العهد الجديد الذي دخله المغرب مع ملك جديد ومع سياسة التناوب،ومع دخول اليسار إلى الحكم وإيمان بعض الجهات أن النضال الثقافي انتهى وأننا الآن في عهد التوافق وانه لا وجود للمعارضة. بمعنى أن الذي كان يمثل المعارضة استقال من مهامه. وأضاف برشيد: ولذلك فالعشر السنوات الأخيرة تميزت بنوع من الهدوء و البحث عن النفعيات وعن الماديات. ولهذا سنجد أن كثيرا من المثقفين إما التحقوا بدواوين رفاقهم وإما التحقوا سفراء أو انخرطوا في مهام إدارية وسياسية. مشيرا إلى أن الوضع الحالي تميز أيضا بمحاولة القبض على كل الخيوط الثقافية والإبداعية وقد تم ذلك في المسرح مثلا من خلال سياسة الدعم ، حيث تم إعطاء الدعم المالي لفرق ولأسماء دون أخرى، و لم يكن ذلك في نظره مجانا، فالأمر كان يحتاج إلى وجود لجنة وهذه اللجنة لها مقاييسها التي تعطي الدعم من اجلها. وبالتالي كان الدعم كأنه رشوة، وفي بعض الأحيان كان بمثابة الكابح للكثير من الأسماء ومن التجارب. و يعتبر عبد الكريم برشيد المهرجانات الفنية من بين أهم مميزات هذه العشرية الأخيرة. وعن هذه الظاهرة يقول:هناك مجموعة من المهرجانات ربما تعبر عن الحاجة وعن أكثر من الحاجة لكن لم تكن موجهة بالشكل السليم ، فاستغلت في البهرجة و لم تكن تؤدي إلى سعادة الإنسان المغربي، و إلى استغلال وقته الثالث. لذلك طغت المهرجانات الموسيقية و طغى فيها الجانب العولمي على الجانب الثقافي المغربي. ظهر مفهوم الفيزيو و أصبحت موسيقى كناوة يغازلها كل الأصناف الموسيقية العالمية، و بالتالي دخلنا في سلاطةثقافية فيها كل الأجناس الفنية وكل التوابل. و يرى برشيد أن كل ذلك تم بدون ذوق وبدون تفكير وتمعن في الوقت الذي كان على هذه المهرجانات الذي لا يمكن لأحد أن يكون ضدها عندما تكون صادقة وأن تكون ثقافية بالمعنى الحقيقي و أن تراعي إنسانية الإنسان وألا تقوم بإلهاء الشباب عن خبزه وعن وظيفته وعن دراسته وعن أهدافه القومية والإنسانية . لكن من جهة أخرى يقر برشيد أن المغرب عرف تحولا على مستوى البنية التحتية، مع ظهور مجموعة من البنيات الثقافية، ففي الدارالبيضاء تأسست مجموعة من المركبات الثقافية، في الرباط تأسست المكتبة الوطنية، كما انه في إطار التنمية البشرية برزت عدة مرافق اجتماعية و ثقافية وفنية لتكون فضاء للشباب ليمارس فيها نشاطه الثقافي و الفني ...غير أن هذا يحتاج في نظره من جهة إلى وقفة تأملية تجيب على الأسئلة التالية : نحن من نحن؟مع من نحن؟ ماذا نريد من العمل الثقافي؟ كيف نريد الإنسان المغربي أن يكون؟ هل نريده كما هو أم أن ينمحي و يذوب في هذه الفوضى العولمية؟ و من جهة أخرى إلى سياسة ثقافية تتمثل في الرجوع إلى مؤسسة المجلس الأعلى للثقافة و مجالس ثقافية جهوية لان المغرب هو بلد المؤسسات. بمعنى إيجاد برلمان للمثقفين و النخبة الثقافية حتى نحقق حسب قوله نوعا من الديموقراطية الثقافية سواء بين الجهات أو الاثنيات و اللهجات و اللغات و بين الأجناس الأدبية و الفنية وحتى لا يظل المغرب هو محور الرباط و الدارالبيضاء. و هذا البرلمان البرلمان الثقافي هو الموكل أن يرسم حسب برشيد ثقافة للمهرجانات و التظاهرات الفنية و سياسة في الكتاب و الترجمة و إقامة المراكز الثقافية المغربية في الخارج مقابل المراكز الأجنبية بالمغرب. أما بخصوص التحديات المستقبلية في الجانب الفني فيرى الكاتب عبد الكريم برشيد أن التحديات هي نفس التحديات المطروحة على المغرب سواء في الجانب الاجتماعي والاقتصادي ...فالمغرب كباقي الدول يتعرض لغزو فهو حسب قوله مهدد في لغته و دينه و ثقافته وهويته، و بالتالي مطلوب من الفعل الثقافي أن يحافظ على الهوية أولا وعلى المكتسبات ثانيا ، ثم أن يكون العمل الثقافي فعلا للحوار لكن على مستوى الندية مع احترام الآخرين. فنحن مطالبون أن نحافظ على هذه الهوية لأنها هي نحن. و شبه المتحدث العولمة بذلك الغول الذي يريد أن يلتهم كل الدول من خلال سياسة السوق المفتوحة و الأبواب المفتوحة و رفع الجمارك. وعن مقاومة ذلك يضرب برشيد مثلا بفرنسا التي رجعت إلى ما يسمى بالاستثناء الثقافي لأنها رأت منافسة أمريكا مثلا في المجال السينمائي لن تكون لصالحها و ستخسر المنافسة. و من هنا يخلص برشيد إلى ضرورة أن نخوض المنافسة وأن نعرف خرائط العالم و أن نعرف إلى أين تسير عجلة التاريخ وأن نراهن على العلم باعتبار العلم يخدم الإنسان، و على أعمال الفكر الذي يرتقي إلى الحكمة لأنه لا وجود لفكر ليس له ارتباط بالناس و بالوجود و بالقيم الإنسانية الخالدة.