لم تكن الرسالة الأولى للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المغرب بداية هذا الأسبوع والتي دعاه فيها إلى أن يلعب دورا رائدا في المصالحة بين الدول العربية وإسرائيل وأن ينخرط في مسلسل فك العزلة عنها، نشازا عن التصور الأمريكي للدور المغربي في المنطقة، لكن الجديد هذه المرة هو الربط المباشر والصريح مع قضية الصحراء حيث ختم أوباما رسالته بالتأكيد على معرفته بما تشكله قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وأنه يتطلع إلى حل متفاوض عليه يحقق ما يريد السكان من إدارة شفافة ومعايير دولة الحق والقانون، ودون أن يتطرق بأدنى إشارة لمشروع الحكم الذاتي الذي سبق للمغرب في 2007 أن تقدم به ولقي دعم الإدارة السابقة. ما حصل من جمع بين دور مرغوب أمريكيا في التطبيع وبين سعي حثيث مغربيا لتسوية النزاع على السيادة في الصحراء بما يحفظ وحدته الترابية، يعيد فتح سجل طويل لهذا الابتزاز الأمريكي الرسمي منه أو غير الرسمي، والذي انطلق مع بداية النزاع واتخاذه أبعادا عسكرية حادة في نهاية السبعينيات، عندما عمل ستيفن سولارز أحد كبار زعماء اللوبي المؤيد لإسرائيل على الحيلولة دون تمكين المغرب من صفقات سلاح أمريكية توفر للمغرب القدرة على إحداث التوازن مع السلاح السوفياتي الموجود عند البوليساريو، واستغلت ظرفية مجيء رئيس ديموقراطي جديد من أجل إعاقة للأمر لسنوات تحت دعوى أن المغرب يستعمل السلاح في منطقة متنازع عليها، لكن في الجانب الخفي وجد المغرب نفسه مضطرا للانخراط في تيسير عملية التفاوض بين إسرائيل ومصر، والتي أتاحت فيما بعد أن تفك عقدة السلاح الأمريكية وهي العلاقة التي تطورت مع مجيء إدارة ريغان الجمهورية. تفس الامر تكرر وبصورة مستفزة، فبعد الموقف المغربي المشارك بطريقة غير مباشرة في حرب الخليج الثاني، لم يجد أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي من عمل سوى إرسال بعثة خاصة بمتابعة وضعية تعامل المغرب مع المينورسو واستصدار قرار يخص تقييد المساعدة العسكرية الأمريكية للمغرب في ميزانية سنة 1993 وهي الاخرى لم تفك عمليا إلا بموازاة فتح مكتب اتصال إسرائيلي في الرباط. ما سبق، أصبح بمثابة القانون، فكل أزمة مع أمريكا في قضية الصحراء تجد تفسيرها أو حلها في موقف مطلوب من المغرب يهم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وآخر حدث بارز ظهر في سنة 2003 عندما انحازت الإدارة الأمريكية في مرحلة أولى لمصلحة مشروع بيكر الثاني والذي رفضه المغرب، لكن حصل التراجع وبعد مدة لم تتجاوز الشهرين أعلن عن استقبال لوزير خارجية إسرائيل في المغرب، وهو ما يتطلب فهم رسالة أوباما الاخيرة ضمن هذا التقليد الأمريكي المستفز، والذي جاء في رسالته بعبارات صريحة. لقد سبق أن كتبت في الأسبوع الماضي أن الذي يظن أن حل النزاع سيكون بمجرد تطبيق قواعد تقرير المصير هو واهم، فالنزاع أصبح جزءا من حسابات دولية وجهوية جعلته مثل البقرة الحلوب لقضايا أخرى يصعب معه توقع حله اللهم إلا في حالة انفلات مؤقت ومفاجئ في الساحة الدولية، خاصة بعد أن أصبحت تيارات أخرى ترى فيها أداتها للدخول للمنطقة مثل التيار الإنجيلي، فضلا عما توفره قضايا التجزئة من استنزاف مستمر لقدرات أطرافها ومن تبعية متنامية للراعين لهؤلاء الأطراف. رسالة اوباما تتجاوز أن تكون فقط مجرد مقايضة أو ابتزاز بل هي تعبير جلي عن نمط مختلف من البرغماتية والذي يسم سياسة الإدارة الأمريكيةالجديدة والذي بدونه استيعابه سيكون من الصعب فهم التباين الحاصل في مواقف وسياسات هذه الإدارة بين العراق حيث يجري انسحاب موضعي وبين أفغانستان حيث يتم تعميق التدخل وكلاهما سياستان متعارضان عمليا، لكن منسجمتان استراتيجيا، من حيث هما تعبير عن هذه البرغماتية الجديدة.