لم تكد تنتهي مأساة مهرجان موازين حتى انطلق مهرجان البوليفار بالدارالبيضاء في دورته 11 الذي نظم من 28 إلى 31 ماي ,2009 والذي يعرف هو الآخر وكل سنة تجاوزات وسلوكات منافية لقيم المجتمع المغربي وثقافته الاحتفالية والفنية، وتصل أحيانا إلى حد الفوضى والاعتداءات الجسدية. إلا أن هذه الدورة التي مرت في أجواء باردة ودون تغطية إعلامية كبيرة جاءت مختلفة عن سابقاتها. فقد قررت جمعية البوليفار حجب مهرجان البوليفار للموسيقيين، وتعويضه بتظاهرة تروبلان 2009 أو ما يمكن تسميته بخشبة العبور، مع إجراء التظاهرة في فضاء مجازر الدارالبيضاء (الباطوار) المتواجد بالحي المحمدي. هل بدأ العد العكسي لنهاية البوليفار؟ عرفت هذه السنة انتهاء صلاحية مجازر الدارالبيضاء أو ما يعرف بالباطوار التي بنيت في عشرينيات القرن الماضي. على أن هذا الفضاء تم تغيير شكله من قبل بعض جهات المجتمع المدني ليكون للثقافة والفن وكل الفنانين الشباب. وقد انطلقت مباشرة بعد ذلك بعض التظاهرات الفنية بعين المكان. لكن الظاهر أن الفضاء خصص لمهرجان البوليفار والمهرجانات الموسيقية الشبابية التي ترتكز بشكل لافت بمدينة الدارالبيضاء، تفاديا للمشاكل التي يسببها الشباب القادم للمهرجان جراء التعاطي للمخدرات والخمر. على أن الفضاء لا يسمح بحضور عدد كبير من الجمهور، مما يعني أن المهرجان لم يعد يستقطب الشباب كما كان. ولم يعد محط أنظار المتتبعين، وهذا ما أكده عزيز رئيس فرقة امبلاود لروك ميطال بالرباط في تصريح له لـالتجديد قائلا: مهرجان البوليفار هذه السنة جاء ضعيفا بالمقارنة مع السابق، فقد تخلى مجموعة من المستشهرين الكبار عن دعمه، إضافة إلى أن المستشهرين الصغار كان دعمهم ضعيفا. كما أن المهرجان لم يحظ بتغطية إعلامية قوية. وأضاف: الفائزون، وأنا منهم، لم يحصلوا على جوائزهم النقدية التي تقدر بـ20ألف درهم إلى 10الف درهم، وإدارة المهرجان لم تف بوعدها في ما يخص تسجيل أغنيتين للفائزين. بل لم نحصل حتى على جوائز رمزية ولا على مصاريف التنقل. وهذا يذكرني بالسنة الفارطة. وبالرغم من دعوة بعض المجموعات الموسيقية الأوروبية لإعطاء طابع الدولية، فإن مهرجان البوليفار في نظر عزيز الذي قرر أن تكون آخر دورة يشارك فيها يتراجع إلى الوراء. وهذا يؤكد ما ذهب إليه البعض من داخل المهرجان من أن هذا الأخير يعرف عدة تخبطات ومشاكل مادية وثقافية تهدد استمراريته، وصلت إلى حد طلب عدة مجموعات موسيقية مغربية تحمل تكاليف التنقل والمبيت إن هي أرادت المشاركة في التظاهرة، خلافا للسابق، مما سيؤثر لاحقا على نسبة مشاركة العديد من المجموعات الموسيقية التي بات الشباب يفقد الثقة فيها نظرا لأن أغلبيتها بمجرد ما اغتنت لم تعد تغني بصدق كما كانت في الأول، فقد أصبحت لها أهدافا تجارية محضة، كما صرح بذلك عزيز. أي دلالة لرمز البوليفار؟ موازاة مع تغيير المكان، غير منظمو مهرجان البوليفار ملصق التظاهرة لهذه السنة الذي عادة ما كان يشير من خلال صوره إلى الشباب بالغناء والموسيقى. هذه الدورة جاء الملصق من خلال رسوماته محملا برموز فكرية وثقافية، حيث يشير الرسم إلى ثور من خشب وسط بناية محاطة بأسوار عتيقة قد تكون مجازر الدارالبيضاء في توافق مع عنوان الملصق، أو مدينة الدارالبيضاء في جانبها الحضاري والتاريخي، وقد اخترقت من قبل شبان موسيقيين ينزلون من الثور. بطبيعة الحال الرسم يشير إلى تاريخ الإغريق من خلال قصة حصان طروادة. مما يعني أن الرسم لم يكن من قبيل الصدفة وإنما يعبر عن تقعيد فكري لتظاهرة البوليفار التي يمكن أن يشار إليها حسب الرسم على أنها احتلال لفضاء جديد واقحام قيم جديدة على المجتمع المغربي. وهذا ما ذهب إليه الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد صاحب نظرية الاحتفالية المسرحية من أن المهرجان يروج لقيم تكرس التبعية للغرب، لأنه يقع تحت تأثير موجة عولمية تريد أن تقضي على ثقافة الشعوب، وهي نابعة مما أسميته بـوهم المركزية، أي أن الغرب له هوس في فرض ثقافته على الشعوب الأخرى. البوليفار والتهريب الثقافي هنا يطرح السؤال: أي انعكاسات لمثل هذه المهرجانات والتمثلات الفكرية؟ حسب الدكتور برشيد فإن هذه التظاهرات تجعلنا نعيش نوعا من التهريب الثقافي الذي يمارس تحت عدة أقنعة. موضحا أن ما نراه في هذا المهرجان يمكن تسميته بالبطالة المقنعة وفنانون مقنعون يعتقدون أنهم يمارسون السياسة ونوعا من الرفض الاجتماعي، لكن هي في الحقيقة تجارة. مضيفا: أن الكثير من الناس أو الشباب غير مقتنع بهذا التهريب الثقافي للأسف، مثلهم مثل الذين يمارسون تهريب البضائع الأجنبية، فهم غير مقتنعين بذلك، لكنهم مجبرون تحت طائلة الجوع والتشريد. ولهذا السبب يقول: هذا الشباب لو فتحنا له المعاهد الموسيقية التي تمكنه من دراسة الموسيقى بقواعدها وأصولها، ثم ربطناه بثقافته لأعطانا فنا عالميا. موجها أيضا الدعوة إلى الدولة بأن تتدخل لدعم الفن الرفيع وليس الساقط. وأن تساعد المتخرجين من المعاهد في إيجاد فرص الاشتغال في مجالات كبرى تسمح لهم بممارسة فن راق عوض أن يجدوا أنفسهم في الكباريهات والملاهي الليلية. و يرى الأستاذ عبد الكريم برشيد أن: الاحتفالية هي فكر أولا بمعنى رؤية للوجود وللحياة، رؤية متفائلة شريطة أن توجد مؤشرات التفاؤل. هذه الاحتفالية لها أسس إبداعية ولها رسالة. فهي ليس فنا للتلهية وللتنفيس عنا الأعصاب. بل لها تاريخ مقرون بتاريخ الإنسانية. و انطلاقا من هذا التصور هل تظاهرة البوليفار تعبر عن احتفالية تفاؤلية نابعة من ثقافة المغاربة أم هي احتفالية سوداء نابعة من الفوضى والعدمية؟ للإجابة على هذا السؤال ينبه الأستاذ برشيد الرأي العام إلى أن هذه مرحلة فوضى فنية تحتاج إلى كثير من التبصر.