تتواصل الجهود على قدم وساق في العاصمة الرباط، من أجل رفع قواعد المنصات التسع، الموضوعة رهن إشارة منظمي "مهرجان موازين"، حيث ستتحول العاصمة - حسب المنظمين طبعا- طيلة الفترة الممتدة من 15 إلى 23 ماي الجاري، إلى مركز لتجمع "إيقاعات العالم"، التي حجت من أكثر من أربعين بلدا، ومن القارات الخمس. "" وإذا كان من بين مفاجئات الدورة السابقة، تعري مغني إسباني بشكل كامل فوق المنصة، وأمام الجمهور والعائلات المغربية الحاضرة، في حفل تحييه "فرقة المنحرفين" الإسبانية، التي ينتمي إليها "صاحبنا"، فإن مدير المهرجان يعد هذه السنة الجمهور بمفاجأة أخرى، ومن العيار الثقيل، تتمثل في حضور مغنية العري، الأسترالية "كايلي مينوغ". مفاجأة تستحق أن يفرد لها "السيد المدير" فقرة خاصة في كلمته التقديمية على الموقع الرسمي للمهرجان، مؤكدا" أن أقوى لحظات المهرجان ستكون الحفلات الموسيقية الافتتاحية والختامية التي سيحييها نجمان ساطعان خالدان في عالم موسيقى السول والبوب: ملكة البوب الرائعة "كايلي مينوغ" والفنان الأسطوري "ستيفي ووندر"، وستجل مساهمتهما المشرفة في ذاكرة مهرجان موازين" (انتهى كلام السيد المدير منير المهرجان منير الماجيدي لمن لا يعرفه). وإذا كان عضو "فرقة المنحرفين" الإسبانية قد فاجأ الجمهور، بتجرده من لباسه خلال السنة الماضية؛ علما أن منظمي المهرجان يعرفون مسبقا، أن أعضاء هذه الفرقة معروفون بهلوساتهم وسلوكاتهم الشاذة أثناء أداء مقطوعاتهم الغنائية المنحرفة، فإننا ندعوا الجمهور هذه السنة ألا يتفاجأ مرة أخرى بلباس "ملكة البوب الرائعة"- بتعبير السيد المدير- المعروفة بلباسها الفاضح. لن أطيل كثيرا على القارئ الكريم، بسرد وجرد مختلف أنواع السلوكات الشاذة واللاأخلاقية، التي ترافق معظم مهرجاناتنا الغنائية، التي تتحول في حقيقة الأمر إلى مرتع لتفريخ كل أنواع ومظاهر الانحراف، ولن يجد الذي يزور هذه المحطات الغنائية أدنى صعوبة في الوقوف على ما أدعينا. لذا فلن نتعب أنفسنا في سردها وتكرارها. لكن الذي يثير انتباهنا ونحن على أبواب انطلاق مهرجان موازين، وعلى أبواب فصل الصيف؛ موسم المهرجانات بامتياز، هو هذا السيل الجارف من المهرجانات الغنائية، والتي حولت بلدنا إلى بلد مائة مهرجان ومهرجان؛ فبين كل مهرجان يصادف المرء مهرجانا آخر. فلم يبق صنف من أصناف الغناء والرقص إلا وتم إفراده بمهرجان، ولم تبق نقطة من نقط هذه البلاد إلا وطئتها أقدام مهرجان من المهرجانات؛ برا وبحرا وجوا، وذلك طيلة فصول السنة الأربعة. وأمام هذا التضخم والانتفاخ المرضي لظاهرة المهرجانات الغنائية، يخيل للمرء أن المغاربة يعانون معاناة حقيقية بسبب ندرة الغناء في بلدنا، مع العلم أن الواقع يقول عكس ذلك، فأينما ولى الإنسان وجهه إلا ويجد أمامه سيل متنوع من الإنتاجان الغنائية؛ فيها الصالح والطالح، وفيها ما ينتمي إلى دائرة الفن، وفيها أيضا ما ينتمي إلى دائرة العفن. وكأننا بلسان حال مهندسي هذه المهرجانات، يقول؛ أن الشعب المغربي تخلص من جميع مشاكله وأزماته- وما أكثرها-، فلم يبق له إلا الرقص والغناء فرحا بإنجازاته. فقد قضينا على أمية شعبنا، التي أريد لها أن تستمر إلى يوم يبعثون، وحققنا العدالة الاجتماعية وقضينا على الفوارق الاجتماعية التي تزداد يوما بعد يوم، وأصبح اقتصاد الريع والقضاء الفاسد في خبر كان. إن من حقنا، بل من الواجب علينا، أن نتساءل عن فلسفة هذه المهرجانات، ونتساءل عن الهدف مثلا، من تنظيم "مهرجان موازين"؟ وما الفائدة التي يمكن أن نجنيها من وراءه؟ وما قيمة وأهمية العديد من الفنانين والفنانات المشاركين فيه؟، والأهم من ذلك كله؛ لماذا تنظيم هذا المهرجان في هذا الوقت من السنة، وليس في غيره؟. وتأتي شرعية طرح السؤال الأخير، على وجه الخصوص، من كون هذا التوقيت الذي دأب المنظمون على اختياره بدقة يتصادف كل سنة مع أيام الاستعداد والشروع في الامتحانات لدى الطلبة والتلاميذ. وهذه رسالة مفهومة من المنظمين للشباب الجامعي، رسالة مفادها أن الأولوية في هذه البلاد لمهرجانات الغناء والرقص، وليس للعلم ومستقبل هؤلاء الشباب، إنهم يريدون شبابا راقصا، وليس شبابا متعلما؛ وهذا ليس بمستغرب من أشخاص يرسلون أبناءهم إلى مدارس البعثات الأجنبية في المغرب، وجامعات أوربا وأمريكا. إنه استخفاف واضح بعقول هؤلاء الشباب، وأسرهم التي تكد وتجد لتعليم أبنائها، وذلك في ظل الأزمة الخانقة التي تعرفها منظومتنا التربوية والتعليمية. فطلبة وتلاميذ الرباط وأسرهم هم أكثر الفئات تضررا من اختيار هذا التوقيت لإطلاق فعاليات "مهرجان موازين"، وخصوصا طلبة وطالبات الأحياء الجامعية والمعاهد المستقرة في مدينة العرفان، فعلى بعد أمتار قليلة من آذانهم تجثم منصة "القامرة"، ولكم أن تتصوروا حجم الضجيج والتشويش الذي ستمارسه الأصوات المزعجة، التي تصدر من صوتيات هذه المنصة، وحجم الإغراء الذي تمارسه هذه التظاهرة، في عز الضغط النفسي الناتج عن الامتحانات. إنها باختصار شديد حرب لا هوادة فيها، تشنها جمعية " مغرب الثقافات" عبر مهرجانها المعلوم ضد العلم وحملته. إنها حرب تضيف هما آخر إلى هموم الطلبة - وما أكثرها أيضا-، الذين يكفيهم ما يعانون من جراء الأزمة المزمنة للتعليم في بلدنا. لقد حولت مثل هذه الممارسات المهرجانات في المغرب إلى موضة جارفة تأتي على الأخضر واليابس، فبدل أن تكون نتيجة حركية فكرية وثقافية وفنية راقية، وحركية وحيوية مجتمعية، تتحول إلى مناسبات للتخفيف من حدة الاختناقات الاجتماعية داخل المجتمع، ومخدر لتخدير أدمغة الشباب، ومناسبة للبعض لتحقيق الاغتناء الشخصي والجري وراء مصالحه الذاتية. وعود على بدء، لابد أن نساءل مختلف المتدخلين والفاعلين، وبالخصوص تلك الشركات والمؤسسات العمومية والخاصة، التي دأبت من أجل قرة عين المدير، على الاصطفاف في طوابير طويلة لضخ ملايين الدراهم في ميزانية المهرجان، لماذا لم تأخذهم نفس روح الكرم من أجل حاضر ومستقبل الطالب المغربي، ويتبرعوا ببعض من تلك الملايين من أجل تمويل وحدات البحث العلمي وبرامج البحث والتكوين داخل الجامعات المغربية، و توفير الظروف الملائمة؛ من سكن وتغذية ملائمين، للباحثين وعموم الطلبة، ومن أجل المساهمة في تمويل برامج تنموية تخفف، على الأقل، من بطالة الخريجين، حاملي الشهادات العليا. نقول بعض من تلك الملايين، التي أنفق بعض منها السنة الماضية على مرحاض الفاتنة نانسي عجرم، التي أصرت على تمتيعها بمرحاض متنقل ومريح. ولله في خلقه شؤون.