مرت الانتخابات كما مرت، وفتح الباب لتحليل النتائج، والناس في ذلك مذاهب شتى والقراءات هنا أيضا متعددة: منها المحايد، ومنها المتحامل، ومنها المنحاز... وانطلقت التحالفات من جديد ونسي الناس عداوتهم وخصوماتهم أو أجلوها على الأقل ودخلوا في مفاوضات وترتيبات لقطع الطريق على هذا الفريق أو ذاك أو للتمكين لهذا الشخص أو ذاك... من أكثر العبارات المتداولة استعمال المال الحرام، ولا أعلم من اعترض على العبارة، وهي دينية بلا شك، ومؤداها أن الذين يعانون من الحساسية المفرطة من كل ماهو ديني ويسعون بكل الوسائل إلى فرض القطيعة مع الخطاب الديني في حياتنا السياسية يصطدمون مع واقع لا يرتفع وهو أننا مجتمع مسلم، الدين في حياته غير قابل للإقصاء... والمال الحرام كما يعلم الجميع سيتحرك أكثر في هذه الأيام مع الناخبين الكبار، فالأصوات في هذه المرحلة تعد بالآحاد وليس بالمئات ولا العشرات. وهذا ما يرفع سعرها، بل أكثر من ذلك فإننا سمعنا ونسمع أن الدفع للناخبين الكبار لا يتوقف، فأصواتهم مرغوب فيها في أكثر من محطة تصويت وهكذا الذي دفع مالا حراما عليه أن يستعد لدفعه أكثر من مرة وعليه أن يستعد لدفع حسابه للمواطنين يوما ما، فإن لم يكن فسيدفع الحساب يوم الحساب بين يدي الله تعالى في اليوم المعلوم. وفي كل ذلك كانت الحاجة إلى الأوراق النقدية من كل الفئات: عشرين وخمسين ومائة ومائتين ... وهذه هي الأوراق الحرام وزعت بشهادات متواترة من الرجال والنساء في الدروب والأزقة ولم يستثن من ذلك يوم الاقتراع ... والأوراق التي حضرت في هذه الانتخابات، والتي غابت كثيرة وهي كلها تحتاج إلى تأمل وتساؤل؟ لقد عشنا فصل الخريف في فصل الصيف: فمن الأوراق التي جاءت من الأحزاب أوراق الدعاية، والتي وزعت منها القناطير المقنطرة، وأظن أن المشهد لا يشرف أحدا!! ومن الأوراق التي مصدرها الأحزاب أوراق الالتزامات والتعهدات، والتي تغيب عنها الواقعية ويتحقق في كثير منها شعار كل ما يطلبه المصوتون وليس ما يقدر على تحقيقه المرشحون. أوراق أخرى ملونة بصور المرشحين وبأحجام متفاوتة ملأت الدروب والأزقة، ومن الملاحظات أنه يقع التحايل أحيانا على التصويت باللائحة بجعله تصويتا اسميا بطريقة أخرى، وذلك حين تعمد بعض الأحزاب إلى طبع صور لأفراد ينتمون إلى هذا الحي أو ذاك، وتوزيعها في ذات الحي لإيهام المواطنين أن حيهم ممثل في اللائحة مع العلم أن فلسفة اللائحة لا تقوم على هذا الأساس، فقد يكون كل الأعضاء من حي واحد ولا مانع، العبرة بالبرنامج لا بمحل سكنى المرشحين!! وهنا يأتي السؤال: ترى لماذا لا توظف نفس الإمكانيات لتوزيع أوراق الإنجازات والإخفاقات قبل التصويت؟ ولماذا لا توزع أوراق استمارات لتقييم أداء هذا الحزب أو ذاك؟ ولماذا لم توزع أوراق لاقتراح أسماء أو اقتراح أفكار أو اقتراح مشاريع؟ لماذا أوراقنا معطلة وموظفة في غير ما وضعت له؟ لماذا لا توفر أوراق لدعم طلبة وباحثين لم يجدوا أوراقا لنشر أعمالهم؟ لماذا تغيب الأوراق من المقاطعات بحيث يطلب من المواطن نسخ الوثائق التي يرغب في الحصول عليها مما جعل مصالح النسخ تنتشر حول الإدارات العمومية، فللحصول على شهادة السكنى أنت محتاج إلى نسخ بحث المقدم وشهادة رئيس المقاطعة، وللحصول على جواز السفر أنت محتاج لنسخ وثائق عديدة، بحيث صارت أماكن النسخ تتوفر على كل الوثائق، إلى درجة يمكن اعتبارها بمثابة ملحقة بالإدارة العمومية ... سؤال ملح أيضا هنا، هل لنا نظائر في هذا التبذير؟ ما معنى أن تمر عليك سيارة مكتظة بالشباب معهم أوراق دعاية ينثرونها ذات اليمين وذات الشمال؟ ما معنى تجنيد أطفال صغار في التوزيع وهم أحوج ما يكونون إلى أوراق يرسمون عليها أو يكتبون ما يتعلمون؟ أي حس بيئي يبقى مع ما يعلم من كلفة الأوراق؟ أي معنى للنظافة يبقى والأوراق تكاد تحول الطريق إلى بساط مفروش بالأوراق؟ هل هو بساط الريح الذي ينقل المرشحين إلى الجماعات الحضرية والقروية؟... الخلاصة؛ هذه أوراق من أحزاب، ألا تعني أن العكس صحيح، بمعنى أن الذي عندنا في الغالب إنما هي أحزاب من ورق ومرشحين من ورق تتغير ولاءاتهم حيث ذهبت بهم الريح، سموا رحلا وما هم برحل، ولا أستبعد أن يرفع الرحل يوما دعوى قضائية ضد كل من يسيء إليهم ويسمي باسمهم سماسرة ومفسدين من ورق همهم الحصول على الورق!!