تامصلوحت نموذج المدينة المغربية القديمة، التي كانت يوما ما مزدهرة عمرانيا واقتصاديا وثقافيا، تجتذبك مساكنها القديمة ذات الهندسة الرائعة بالرغم من بساطتها، وأزقتها الضيقة التي تصل جميع أحياء المدينة كشبكة عنكبوتية، ومحلاتها التجارية ( السويقة) التي طواها النسيان، ومساجدها الشامخة التي تخرج منها عدد من العلماء والفقهاء والقراء. هذه الصورة الجميلة التي كانت عليها تامصلوحت ذات يوم، يلطخها مشهد مجاري الصرف الصحي المنسابة في كل زقاق وساحة وممر: فكل مسكن وكل مؤسسة وكل حمامة تلقي بفضلاتها السائلة في وجه المارة. صرف صحي فوق الأرض لن تصدق عندما تعلم أن مدينة بهذا الحجم لا تتوفر على نظام للصرف الصحي، على الرغم من الميزانية الهائلة التي أنفقت على القنوات التي مدت لهذا الغرض بين سنة 2003 و,2005 (على حد تعبير بعض السكان)، وما يسيء كذلك إلى جمال تامصلوحت القديمة أن جميع أزقتها غير مبلطة أو معبدة، وإن صادف أن زرتها في يوم ماطر وتوحلت الممرات والأزقة وجالت السيول خلال ديارها منطلقة من كل حدب وصوب، وألقت جميع حفر الواد الحار بمحتوياتها، وتجمع كل ذلك في السويقة الجديدة مركز المدينة، فسترى بأم عينيك أن أحدهم يستعمل سيارته لنقل السكان من مكان إلى آخر بالمدينة نجدة لهم من المستوى الذي يصله الماء، واتقاء لهم مما يحمله من نجاسة، وعندئذ سوف تخمن قيمة العنصر البشري بتامصلوحت عند المسؤولين. لن تصدق أيضا وأنت تزور مدينة الولي سيدي عبد الله بن حساين، أن أحد الشوارع قد أقيم على خطارة، وأن حفرها العميقة لا زالت فاغره أفواهها تتربص بكل أعشى أو ساه، وقد التهمت عددا من السكان، كما قال السكان المطلة أبواب منازلهم عليها. لا بد أن يلفت انتباهك تداخل بعض المنازل الحديثة البناء مع أخرى متهالكة، لكن إذا سألت فستجاب أنه يتم الترخيص للترميم أو البناء بطريقة انتقائية لا تخلو في أغلبها من محسوبية أو زبونية، الشيء الذي جعل كثيرا من السكان يسكنون في جحور تنتفي فيها أبسط معايير عيش الآدمي، ويخلف استياء كبيرا لديهم وشعورا بالغبن تذكر الطاعنين منهم في السن بأيام خلت. سوق تامصلوحت الأسبوعي تنم جميع معالمه على أن المنطقة تعيش في القرون الوسطى، فلا تنظيم لمرافقه ولا تجهيزات ولا نظافة تذكر، بالرغم من الدخل الوفير الذي تجنيه منه الجهات المسؤولة عنه. حرفيون.. أيادي مبدعة مغبونة تضم مدينة تامصلوحت عددا كبيرا من الصناع التقليديين الذين يشتغلون بالحياكة وصناعة الفخار. أما الصنف الأول فيعمل في ظروف سيئة للغاية، حيث المحلات متقادمة ومتداعية تنذر بكوارث لا قدر الله، وضيقة إلى درجة الاختناق، والوسائل تقليدية إن لم نقل بدائية، لكن الكد والخبرة والإتقان حاضرة في ما ينتجه هؤلاء المعذبون في الأرض من زرابي وخرق تباع بثمن لا يرقى إلى المجهود المنفق في صناعتها، وخصوصا عندما يتولى تسويقها على يد لوبي. وقد عبر الكثيرون عن استيائهم العميق وشعورهم بالغبن والحكرة، لعدم استفادتهم من عملية توزيع المحلات بالحي الصناعي الذي أنشئ مؤخرا على أطراف المدينة لهذا الغرض، وقد تم توزيع محلاته على حد تعبير هؤلاء الصناع وفق معايير المحسوبية والزبونية، وصرح حائك تقليدي، ناهز التسعين من عمره، يشتغل في ظروف سيئة أن المحلات وزعت على المقربين، بل استفاد منها حرفيون لا ينتمون إلى دائرة تامصلوحت، وغير الحرفيين، يشتغلون في أعمال التهريب. كما تساءل عدد من الحرفيين عن مدى صواب اشتمال الحي الصناعي على عدد من الشقق يسكنها أجانب. أما حرفيو الفخار فليست أحوالهم بأحسن، فظروف العمل جد سيئة وأدوات العمل بدائية، ويعملون في أماكن لا تختلف كثيرا عن القبور، هؤلاء المدفونون أحياء يعجنون الطين بعرقهم وينضجون تحفهم الرائعة في أفران تحمى بالعجلات المطاطية المنتهية صلاحيتها، ونظرا للكمية الكبيرة المحروقة منها يوميا، فإن ذلك سبب للسكان أمراضا تنفسية خطيرة، وكانت عبقرية المسؤولين الجماعيين قد تفتقت عن حل لهذه المعضلة، حيث تم اقتناء ثلاثة أفران غازية بأثمنة خيالية، بطرق ملتوية ـ يقول أحد الصناع ـ بقيت خارج الاستعمال إلى حد الآن، تصارع الصدأ، نظرا لعدم صلاحيتها. وتعرف منطقة تامصلوحت مشاريع ضخمة، كمشروع سمناح السكني، إلا أن الساكنة عوض أن تستفيد من هذه المشاريع عبر إحداث فرص العمل والاعتناء بالبنية التحتية للمنطقة، أصبحت مهددة بالطرد من أرض عاش عليها أجدادها، وتتلقى يوميا أوامر كتابية بهدم منازلها، وقد اطلعت الجريدة على نموذج للأمر بالهدم لمنزل سيدة، موقع من قبل السلطات المحلية.