مما يسبق إلى أذهان جمهور المواطنين ويتبادر لهم عند ذكر المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، الإدلاء بالأصوات يوم الاقتراع وحسب.. مع العلم أن المشاركة هي أوسع وأشمل من اختصارها في لحظة زمنية في يوم معلوم بحركات شبه ميكانيكية، يقوم بها المواطن بتوجيه خارجي أكثر من كونها قناعات عن وعي داخلي.. إن المشاركة النموذجية هي انخراط واع من طرف المواطنين طوال أيام الحملة في عملية نقد استكشافي للبرامج الانتخابية الأحسن، وللمرشحين الأمناء النزهاء ذوي الكفايات التدبيرية الأصلح والأفضل للشأن العام.. إن حصر المشاركة في يوم الاقتراع يعتبر المؤشر الظاهري الأدنى المطلوب من الناخبين.. يحصل به الإجزاء بتعبير الفقهاء، ولا يحصل به المقصد المطلوب إلا بشروط تتجاوز الشكل الظاهري لعملية الاقتراع.. وأهم هذه الشروط وعلى رأسها، أن يتعامل الناخب مع العملية الانتخابية ويرعاها بمسؤولية، امتثالا للتوجيه النبوي الشريف: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته.)).. إذا كان الخادم راع في مال سيده ومسئولا عنه، فالمواطن الحر، بالأولى، راع في وطنه ومسئول عما استرعاه الله عليه في حدود ما تعين في حقه من واجبات كفائية.. والعملية الانتخابية واحدة من هذه الواجبات، بل ومن أخطرها.. والرعاية المسئولة تقتضي أن نجعل أيام الحملة جميعها ويوم الاقتراع كذلك، أكبر همومنا الوطنية، لا يشغلنا عنها شاغل. وهذا يقتضينا كناخبين مسئولين أن نرعى أيام الحملة بالانخراط فيها على ثلاث خطوات: خطوة استكشافية للدائرة الانتخابية ومعرفة من يستحق نصرتنا، فإذا حصل الاقتناع والاختيار، انتقلنا إلى الثانية وهي: خطوة النصرة والتأييد والمساهمة في التبشير بما نظنه خادما لشأننا العام.. ولا يجوز التعويل من جهة الناخب على صوته وحده، بل عليه أن يقنع الآخرين بما اقتنع به هو.. وهذا صورة من صور الرعاية المسئولة التي سيحاسب عليها العبد بين يدي مولاه سبحانه.. وكلنا يحفظ ما جاء في سورة العصر: ((وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)). والخطوة الثالثة والأخيرة هي عدم الغفلة أو التكاسل عن واجب يوم الاقتراع.. فعلى الناخب أن يجمع أمره ويبادر يوم الاقتراع بتتويج جهده المبارك النزيه بوضع ورقته في صندوق الاقتراع حيث تتزاحم أوراق الصلاح وأوراق الفساد..