نشرت المجلة الفصلية لـمجلس سياسات الشرق الأوسط في عددها الصادر في عددها الأخير مقالا للباحثة ليز ستورم، أستاذة السياسة المقارنة بجامعة إيكستير البريطانية تحت عنوان معضلة التعامل مع الإسلاميين: حقوق الإنسان والدمقرطة، والحرب على الإرهاب، ارتكز على بحث ميداني بالمغرب امتد من سنة 2002 إلى سنة 2008 وشمل زيارات بحثية إلى كل من فرنسا وإسبانيا وألمانيا والولاياتالمتحدة، وهو ما يعطي للبحث ذي الصفحات التي لم تتجاوز العشرين قيمة علمية هامة لمتابعة ما يثيره البحث العلمي من إشكالات وتحليلات حول معضلات التعامل مع الإسلاميين في علاقتها بتحديات الحريات وحقوق الإنسان من جهة وتحديات الأمن من جهة أخرى، وهي المعضلة التي يجد المغرب نفسه بعد ست سنوات على تفجيرات 16 ماي غير قادر على الخروج من دوامتها. أولى خلاصات الباحثة في دراستها التي نشرتها مؤسسة بحثية معروفة باعتدالها ودفاعها في أمريكا عن علاقات متوازنة وغير منحازة مع العالم العربي. فبعد أن استعرضت الباحثة تنوع المشهد الذي تمثله الحركات الإسلامية بمختلف توجهاتها، هي تأكيدها على المأزق الحقيقي الذي يواجه المغرب والناجم عن تعامله غير العادل مع هذه الحركات والأحزاب، مشددة على حالة حزب العدالة والتنمية، حيث أكدت أن التضييق على هذه الحركات والتعامل مع مختلف الفاعلين السياسيين بمنطق الكيل بمكيالين بذريعة الاحتراز من التطرف والإرهاب هو الذي قد يدفع بالكثير من شباب الأجيال القادمة إلى الارتماء في أحضان التيارات المتطرفة التي لا زالت لم تجد لها موقع قدم راسخ في المغرب، وأن هذا الميز في التعامل قد يوجِد مبررات تغلغل هذه التيارات. فلنستمع وبانتباه لما تقوله هذه الباحثة، لعل البعض بنا قد ينتبه، فالبنسبة إليها، إن المواطن المغربي قد يكون أميا، وفقيرا، وقد يُبدي عدم اهتمام بالسياسة؛ ولكنه ليس غبيا على الإطلاق. كما أن المغربي، وإن كان لا يبدي رد فعل آني لما يحدث أمامه؛ غير أنه يلاحظ جيدا الوسائل المستعملة عندما يتعلق الأمر بظواهر غير إسلامية، والوسائل الصارمة عندما يتعلق الأمر بمظهر من مظاهر التدين. بعد ذلك أبرزت الباحثة كذلك أن الرأي العام المغربي لا يمكن أن يغيب عن ذكائه تراجع الغرب؛ سواء تعلق الأمر بالولاياتالمتحدةالأمريكية أو بأوروبا؛ وخصوصا المُستعمرَين السابقَين للمغرب؛ فرنسا وإسبانيا عن أي ضغط من أجل دمقرطة حقيقية عندما أحس هذا الغرب الحريص على دمقرطة العالم، خصوصا الإسلامي؛ بأن من شأن ذلك أن يُخرج نتائج لا ترضيه. فالعامل الرئيس الذي دفع بالعديد من الشباب في المغرب العربي وشمال إفريقيا إلى الارتماء في أحضان التطرف هو غياب أي ضغوط حقيقية من أجل دمقرطة حقيقية مع الضغط بقوة لمواجهة مظاهر التدين التي يتم الخلط المقصود بينها وبين الإرهاب. وتضيف إن المغاربة الذين هجروا السياسة بسبب عدم رضاهم عن نُظُم ممارستها في البلاد، وبسبب سخطهم على عموم المعاملات التمييزية ضد الإسلاميين؛ فإن إضافة غياب أي ضغط على النظام من أجل الدمقرطة الحقيقية قد أدى بالعديد من المغاربة إلى الاعتقاد بأن الغرب عندما يغمض عينيه على هذه الأوضاع بهذه الطريقة فإن القوتين الاستعماريتين السابقتين؛ فرنسا وإسبانيا؛ وكذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية كلها تتواطأ مع النظام؛، فهذه العوامل ومثلها هي أكثر الأسباب التي تدفع بالعديد من الشباب نحو ردود فعل متطرفة؛ خصوصا تجاه ما اصطلح على تسميته بالمعالجة المغربية الخاصة لـالتطرف الإسلامي. فخلال العقد الأخير الذي تلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، ثم السادس عشر من ماي بالدار البيضاء؛ قد ظهر مكيالان لحقوق الإنسان يتم الكيل بهما بإيعاز من القوى الاستعمارية السابقة والحالية. مكيال يوفر الحماية لكل حامل فكر متماهٍ مع المفاهيم الغربية، ومكيال آخر يعامل به الإسلاميون؛ لا يجد من المدافعين عن حقوق الإنسان في الغرب من ينبه إليه أو يهتم بالرازحين تحت نيره. ويضيف البحث إنه على الرغم من وجود بعض المواطنين الذين يرتاحون لهذا التعامل بحكم الهلع الذي نجح الإعلام في تسريبه إلى عقولهم؛ غير أنه وعبر كل العالم؛ وليس فقط في المغرب؛ فإن السواد الأعظم من المواطنين المغاربة يجدون تكرار الاعتداء على حرية التعبير وحرية التجمع؛ خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإسلاميين أمرا غير مبرر وغير عادل؛ بل غاية في الظلم، ويعزز ذلك أن الاعتقالات التعسفية تجاه الإسلاميين قد اتسعت رقعتها على نطاق واسع جدا، فالمجتمع المغربي يسمع القصص عن المحاكمات الجائرة التي تكون من نصيب الإسلاميين وحدهم، وعن سوء معاملتهم في السجون والمعتقلات وعن سكوت الغرب على كل ذلك. كل هذا - حسب الباحثة - يجعل من الظلم السبب الرئيس المؤدي إلى الإرهاب وليس التدين. هذه خلاصات معبرة ودالة، للأسف، ينتبه لها غيرنا ولا نرى لها مكانا عندنا إلا بعد فوات الأوان.