دأب الباحثون السوسيولوجيون في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، على توظيف مفهوم إعادة الإنتاج الإجتماعي لتوصيف حالة المؤسسة التعليمية ومن ثم النظام التربوي ببلادنا ، الذي كان يعمل فيه صانعوا القرار السياسي على جعل المؤسسة التعليمية وسيلة طيعة في أيديهم لإعادة إنتاج أوضاع تراتبية في المجتمع المغربي ، حيث أن النظام التعليمي لا يساهم في خلق حراك اجتماعي تفاعلي ، بما يعنيه ذلك من تقاسم عادل للرأسمال الرمزي حسب تعبير بيير بوديو ، والمتمثل في الإستفادة من الخدمات التربوية والمعرفية والتكوينية ، لخلق تكافؤ للفرص بين جميع أبناء الشعب المغربي ، بقدر ما كان يعيد إنتاج نفس الوضعيات الإجتماعية ،حيث المحظوظون ماديا واجتماعيا ومؤسساتيا وسلطويا ، يضمنون لأبنائهم تعليما وتكوينا جيدا ، يؤهلهم لتقلد مناصب حساسة وذات ثقل ونفوذ في دواليب المجتمع ، بينما المحرومون والذين يعيشون أوضاع الهشاشة الإجتماعية والمادية والفكرية ، يكون مصيرهم العمل اليدوي ، وفي أحسن الأحوال تقلد الوظائف الوضيعة والتقنية البسيطة .إن هذا التحليل للوضع التربوي والمجتمعي في مغرب القرن الماضي ،وخصوصا للحقبة المشار إليها آنفا ، تأثر بشكل آلي إلى حد التماهي ،بمقولات وأطروحات الماركسيين الجدد ، وعلى رأسهم بيير بورديو ، الذين كانوا يتأملون واقعهم الإجتماعي الغربي ، والذي خضع لتطورات سوسيوتاريخية ،مختلفة عن وضعيتنا في المغرب ، وبلوروا هذا المفهوم (إعادة الإنتاج الإجتماعي ) لكي يحللوا به واقعهم .وغير خاف أن الدولة في هذه المجتمعات الأوروبية ، استطاعت أن تتغلغل في كل بنيات ومجالات المجتمع الأساسية منها والفرعية ، وأن تثبت خحسب تعبير غرامشي خشرعية من نوع الهيمنة الثقافية والإيديولوجية ، عبر أنظمة الإعلام والاتصال ، والتعليم ، وأنماط التصورات والقيم الرائجة ...، ومن ثم أصبح تحليل كيفية اشتغال هذه المجالات الرمزية -كالتعليم - شرطا أساسيا وضروريا لمعرفة خصائص اشتغال النظام المجتمعي بشكل عام (انظر : مصطفى محسن ، في المسألة التربوية : نحو منظور سوسيولوجي منفتح ، المركز الثقافي العربي ،2002) .إن استعمال مفهوم إعادة الإنتاج الإجتماعي من طرف الباحثين المغاربة في المرحلة الماضية (سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ) وإسقاطه على الواقع المغربي ، وعلى المدرسة المغربية بشكل خاص، يعد في نظرنا اسقاطا فيه الكثير من التجني والبعد عن الواقع في هذه الفترة ، بدليل أنه بالرغم من كل الإشكالات التي صاحبت النظام التربوي ، استطاعت فئات اجتماعية متباينة ، من تحقيق ترقي اجتماعي وتسلق مناصب وامتيازات وتقاسم للرأسمال الرمزي ، حيث كان بإمكان ابن الفلاح في البادية والعامل البسيط والحرفي ...أن يصل إلى مراتب عليا في الدراسة وأن يغير وضعه الإجتماعي وتموقعه داخل نظام الإمتيازات المتنوعة . أما في المرحلة الحالية فتحقيق ذلك يعد من التحديات الكبيرة التي لا تتاتى إلا بمجهودات وحافزية جد عالية . كل ذلك يجعلنا نؤكد أن التعامل مع بعض المفاهيم وآليات التحليل الماركسي ومقولة إعادة الإنتاج الإجتماعي ، يجب أن يتميز بالحذر الشديد والتعامل المرن والنسبي .بالمقابل هل يمكن الحديث في ظل الظروف والحيثياث الجديدة والسياق الذي يمر منه النظام التعليمي والمدرسة المغربية في بداية الألفية الثالثة ، عن إعادة الإنتاج الإجتماعي ؟خصوصا وأن شعار تكافؤ الفرص والدمقرطة بدا شاحبا وغير ذي معنى ؟إن المتأمل في واقع النظام التعليمي ببلادنا ، وبالإستناد إلى التقارير الوطنية التي تصدر بين الفينة والأخرى (ولعل آخرها التقريرالسنوي عن واقع التعلمات ، فبراير 2009 ) ليلحظ بدون عناء كبير الهوة السحيقة التي حصلت بين أبناء وبنات مغرب الألفية الثالثة ، حيث التمايز في التعلمات والكفايات ، وبالتالي مخرجات النظام التعليمي ، بين المناطق والجهات الجغرافية ، وبين الوسطين الحضري والقروي ، وبين الفئات والشرائح والطبقات الإجتماعية ، والمجموعات السكانية المتباينة الخصائص والأبعاد .ولإعطاء بعض المؤشرات على هذه التفاوتات التي حصلت بين مختلف التلاميذ ، يمكن الإشارة إلى التقرير الآنف الذكر ، إذ سجل تفوقا في المهارات المعرفية والتطبيقية وحل المسائل لصالح تلاميذ الوسط الحضري بفارق بلغ 9 نقط ، وإذا قارنا هذه النسب بين التعليم العمومي والخاص ، سنجد فروقا شاسعة لصالح المستفيدين من التعليم الخصوصي (الذي لا يحظى به إلا فئة قليلة من أبناء المجتمع المغربي 1,7% على الصعيد الوطني، انظر التقرير السنوي المجلس الأعلى للتعليم ،2008 ،ج الثاني ) .من جهة أخرى تكفي الإشارة إلى أن نسب الحاصلين على شهادة الباكلوريا لا تتعدى %13 بالتكرار ، في حين لا تتعدى النسب بدون تكرار 5% (انظر التقرير السنوي المجلس الأعلى للتعليم ،2008 ج الثاني )