المتأمل في وقائع مجريات مؤتمر ديربان الثاني والمنعقد بجنيف، والذي افتتح أشغاله يوم الإثنين 20 أبريل 2009، يكتشف حجم النفاق الغربي بين رفعه لشعارات الحرية والكرامة الإنسانية وبين تواطئه الفج مع معاديها، حيث ظهر التحالف الغربي المستفز، والذي جمع الدول الأوربية وإلى جانبها الولاياتالمتحدة، وذلك من أجل تحويل المؤتمر إلى محطة تبييض للعدو الصهيوني بعد جرائمه البشعة في قطاع غزة، وقبل ذلك اعتماده لسياسة الفصل العنصري ببنائه لجدار الذل والعار، كل ذلك يأتي تزامنا مع تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني الداعي إلى فرض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وإصرار إسرائيل على منع قائد الحزب المناهض للرأسمالية بفرنسا من دخول غزة. فقد قاطع المؤتمر قبل بدايته كل من الولاياتالمتحدة وبولندا وألمانيا وكندا وأستراليا وهولندا وإيطاليا، أما دول الاتحاد الأوروبي التي حضرت فقد مارست من الضغوط ما أدى إلى رفض أي ربط بين الكيان الصهيوني والعنصرية، بل بلغ الأمر حد إقدام الأمين العام للأمم المتحدة على تحذير الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من الخلط بين الصهيونية والعنصرية، وأثناء كلمة أحمدي نجاد التي أشار فيها إلى وجود حكومة عنصرية في الشرق الأوسط، قام ممثلوا الاتحاد الأوروبي بمغادرة القاعة، ثم تلاه دعوة الرئيس الفرنسي للتعامل بحزم شديد مع خطاب نجاد. وفي الوقت نفسه خرجت الخارجية الصهيونية بموقف الانتقاد الشديد لمشاركة كل من فرنسا وألمانيا في المؤتمر. ليس ذلك فقط، بل سبق المؤتمر تصريحات لمنظمة هيومن رايتس ووتش من مديرة مكتبها بجنيف؛ دعت من جهة إلى منع الرئيس الإيراني من المشاركة، وفي المقابل انتقدت بحدة الموقف الأمريكي الرافض لما ورد في مسودة إعلان المؤتمر واختياره لمقاطعة المؤتمر ردا على ذلك، مما وصفته المنظمة بأنه محاولة لفرض الرغبة الأمريكية على الآخرين وليس المشاركة معهم. ما حصل يطرح أكثر من سؤال عن حجم الفعالية الصهيونية التي تمت في الأشهر الماضية، والتي لم تضعفها عملية انتخاب حكومة صهيونية متطرفة، ووضع وزير خارجية معروف بمواقفه العنصرية جدا ضمن هذه الحكومة، فضلا عن تقارير الهيئات الحقوقية، والتي فضحت الاستعمال المتعمد للقنابل الفوسفورية المحرمة دوليا لضرب الشعب الفلسطيني. لكن ما حصل يفضح حقيقة الموقف العربي والإسلامي الذي تكاثرت قممه، لكنها في النهاية لم تستطع بناء موقف عربي وإسلامي قوي كفيل بمواجهة السياسة الصهيونية ودعم القضية الفلسطينية في محفل دولي. نعم إن الضمير العالمي مرتبط بمعاناة الشعب الفلسطيني، لكن ترجمة ذلك على مستوى السياسات الدولية شيء آخر، وما حصل في المؤتمر الذي عقد لمناهضة العنصرية هو أنه تحول إلى أداة لصبغ الشرعية على نموذج الدولة العنصرية الأولى في العالم، فأي مصداقية تبقى للخطاب الغربي بشقيه الأوروبي والأمريكي وهو يسعى إلى تبرئة العدو الصهيوني من جرائمه، والأكثر من ذلك فرض وضع عدم انتقادها، إنه زمن قتل الضحية، والأسوء أن يفرض على أسرتها عدم البكاء عليها في انتظار زمن فرض الاحتفال بقتلها.