المبدأ القانوني: المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية خولت لقاضي التحقيق إصدار الأمر بالتقاط المكالمات دونما حاجة إلى ملتمس الوكيل العام للملك بشأنها، ودون التقيد بأنواع الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة، وأن حالة الضرورة مستخلصة من الوقائع والظروف والطريقة التي ارتكبت بها الأفعال موضوع التحقيق، وكذلك الشأن بالنسبة لأمر الإنابة القضائية. أصدر المجلس الأعلى في الغرفة الجنائية (بالقسم الثالث) القرار عدد 1817/3 وتاريخ 11/07/2007 قرارا برفض طلب النقض المرفوع من الطاعن ضد القرار القاضي بإلغاء الحكم الابتدائي للطاعن بسبب القيام خلال الحملة الانتخابية بتقديم الهدايا وتبرعات والوعد لمجموعة من المواطنين بقصد التأثير على تصويت هيئة من الناخبين أو البعض منهم، والتوسط والمشاركة في الحصول على أصوات عدة ناخبين بفضل هبات وتبرعات نقدية، والوعد بها بقصد التأثير على تصويتهم، وذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغير كذلك، والمشاركة في القيام خلال الحملة الانتخابية بتقديم تبرعات نقدية والوعد بها بقصد التأثير في تصويت هيئة من الناخبين أو بعض منهم، والحكم تصديا بإدانته من أجل ذلك ومعاقبته بثمانية أشهر حبسا موقوفة التنفيذ، وغرامة قدرها خمسون ألف درهم والحرمان من حق الترشيح للانتخابات لمدة سنتين انتدابيتين متتاليتين. وقد أثار الطاعن في مذكرته نعيه القرار المطعون فيه اعتماده كوسيلة إثبات وحيدة للقول بإدانته على ما راج بينه وبين بعض المتهمين من مكالمات هاتفية، وتسجيلها بناء على أمر قاضي التحقيق الذي أسند تنفيذه إلى رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالقنيطرة، على الرغم من عدم صحة هذا الإجراء حسب قوله، وعدم شرعيته لعدم توافر حالة الاستعجال أو ضرورة البحث التي تقتضي اللجوء إليه، وأن عدم إنجازه على النحو الذي يقتضيه القانون يجعله مخالفا لمقتضيات المادتين 108و109 من قانون المسطرة الجنائية المنظمة لإجراءات التقاط وتسجيل المكالمات. للرد على هذه الوسيلة اعتبر المجلس الأعلى أن المادة 108 من (ق.م.ج) خولت لقاضي التحقيق إصدار الأمر بالتقاط المكالمات دونما حاجة إلى ملتمس الوكيل العام للملك بشأنها ودون التقيد بأنواع الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة، وأن حالة الضرورة مستخلصة من الواقع والظروف والطريقة التي ارتكبت بها الأفعال موضوع التحقيق. ويمكن القول هنا إن المجلس الأعلى قد تعرض لأول مرة إلى تفسير مقتضيات المادة 108 من (ق.م.ج) التي تتعلق بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، وتسجيلها أو أخذ نسخها أو حجزها، ومن هذه الوسائل استعمال المحمول أو الهاتف النقال. وباستقراء هذا النص يمكن أن نستخلص الملاحظات التالية: ذلك أن المشرع أعطى صلاحيات الأمر بالتقاط المكالمات لجهتين اثنين، هما: ـ النيابة العامة، وقد حدد لها الإطار الذي تأمر فيه وقيد صلاحياتها في هذا الباب. ـ السيد قاضي التحقيق الذي لم يقيد سلطته بأي قيد لا من حيث نوع الجريمة ولا ظروفها، وإنما كلما اقتضت ذلك ضرورة البحث، وبذلك فإن مدى صلاحيته في هذا الإجراء أمر يحدده بما أوكل إليه المشرع من سلطة إجراء التحقيق واستجماع الأدلة للبحث عن مرتكبي الجرائم، دونما حاجة إلى تعليل خاص، كما أسند إليه مهمة انتداب الجهة التي ستقوم بالتقاط المكالمات، وأن الأمر الذي يصدره للشرطة القضائية بإنجاز هذا الأمر يدخل في إطار استعمال الصلاحيات المخولة له قانونا. وهكذا أحاط المشرع الصلاحية المخولة للنيابة العامة بإجراء الأمر بالتقاط المكالمات بشروط من شأنها أن تضمن حقوق المواطنين وحرياتهم المخولة لهم بمقتضى الدستور. وتتحرك النيابة العامة الأمر بالتقاط المكالمات في حالتين: الحالة الأولى، بالتماس يقدمه الوكيل العامل للملك للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف كلما اقتضت ذلك ضرورة البحث، الحالة الثانية، أن يأمر به تلقائيا في حالة الاستعجال القصوى بصفة استثنائية ويشعر فورا الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الذي يصدر داخل أجل 24 ساعة، مقررا بأن يبقيه أو يلغي الأمر الصادر عن النيابة العامة. وهذا الإجراء الذي تأمر به النيابة العامة تلقائيا يتعلق بجرائم وردت على سبيل الحصر في الفقرة الثانية من المادة 108 ولا يجوز تجاوزها.