من لندن انطلق الدم في شريان الحياة الممتد إلى قطاع غزة، بل إلى فلسطين. لندن الناس والتعددية الثقافية. لندن المظاهرات الشعبية الكبرى المناهضة للحرب على العراق والمنتصرة لفلسطين، وليست لندن تن دواننغ ستريت أو لندن توني بلير والسياسة المرتبطة بالولايات المتحدة وروحها الإمبريالية. بقيادة النائب جورج غالاوي انطلقت قافلة تحيا فلسطين أو شريان الحياة. انطلقت في الرابع عشر من فبراير الماضي، ولتصل إلى قطاع غزة يوم أمس (الاثنين الماضي)، أي بعد رحلة امتدت لثلاثة وعشرين يوماً متواصلة، وعبر خط طويل امتد لآلاف الأميال (بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، المغرب، الجزائر، ليبيا، مصر، وصولاً إلى قطاع غزة). تحيا فلسطين، لا قطاع غزة فقط، ففلسطين كلها واحدة، جرحها ووجعها ومصيرها، وهؤلاء جاءوا ليعلنوا أن فلسطين حية رغم أنف الغزاة. جاء غالاوي ومن معه ليكفّروا كما قال عن وعد بلفور، فهنا لا مكان لمجاملات تحت سقف ما يسمى قرارات الشرعية الدولية، لأن هذا الكيان الذي ولد من رحم تلك القرارات والمؤسسات الجائرة لا شرعية له حتى لو اعترفت به دول العالم أجمع، ففلسطين لها أصحابها الذين لن يفرّطوا بها حتى لو فرّط من يزعمون قيادته ممن ركنوا لمنطق الهزيمة. هذه قافلة تقول إن ثمة في هذا الغرب مكان لمنطق الحقيقة الكاملة، وليس الحقيقة المزيفة أو ربع الحقيقة، كأن يكون التضامن فقط تحت سقف القرارات الدولية، أو من أجل أن يزول الاحتلال للأراضي المحتلة عام 67 فقط، بينما 78 في المئة من أرض فلسطين التاريخية للغزاة. ثلاثة وعشرون يوماً وهؤلاء الرجال والنسوة يسيرون من بلد إلى بلد، حاملين شعارهم الأثير تحيا فلسطين. مرواً بدول عديدة، فكان أن فتحت لهم أبواب مغلقة، كما هو حال الحدود المغربية الجزائرية التي لم تفتح منذ زمن طويل إلا للقافلة. وفي سائر الدول، ورغم قصر نظر بعض الأنظمة إلا أن الاستقبال كان حافلاً، ولو كان الأمر متاحاً لانضم إلى القافلة آلاف المتطوعين، لكنها السدود والحدود، وربما السياسات الرسمية التي دفعت إحدى الدول إلى فرض طريق خارجي على القافلة تحت الحراسة حتى لا تختلط بالناس وتثير فيهم الحمية ضد السياسات الرسمية البائسة. سارت القافلة رغم الصعاب وطول المسافة، وكان أن وصلت، بعد أن فتح المعبر الأخير، الأمر الذي تم لأن منعها سيكون مكلفاً من الناحية السياسية، ولو تغيرت السياسات فعلاً لرأينا معبراً مفتوحاً طوال الوقت، لأن حصار الناس شكل من أشكال العدوان والحرب لا تبرره المعاهدات أيا كانت، فكيف إذا كانت إشكالية من الأصل؟ شريان الحياة، يمتد اليوم إلى قطاع غزة، ومنه إلى فلسطين، في رحلة أهم ما فيها بعدها الرمزي، وليس ما تحمله من مساعدات، لأن رحلة هؤلاء القوم 120 ( سيارة وأكثر من ذلك من المشاركين) من أقصى الأرض إلى أقصاها أكبر من مليوني جنيه، بل أكبر من كل الملايين، لأن فلسطين اليوم في حاجة إلى النصرة المعنوية والسياسية، أكثر من حاجتها إلى المعونات المشروطة بوقف المقاومة وبيع القضية كما هو حال معونات شرم الشيخ التي تحمل عنوان وقف المقاومة، تحت لافتة حتى لا يدمر ما سيبنى، لكأن التدمير تم برغبة الفلسطينيين وليس بيد عدوهم عندما رفضوا الاستسلام لإملاءاته. بالأمس وصلت قافلة تحيا فلسطين منتصرة على سائر العقبات، وكان استقبالها حافلاً في القطاع. وصلت لتعلن أن فلسطين حية في قلوب أحرار العالم، وأنها ستبقى حية رغم أنف الغزاة. فلسطين هي فلسطين. كانت فلسطين، وستبقى فلسطين إلى يوم الدين.