إلى متى سوف يستمر مجتمعنا في التفنن في أساليب الدوس على كل قواعد اللياقة وفي منح الصدارة للسلوكات الهمجية؟ إن مثال صفوف الانتظار في المتاجر، والبنوك، وغيرها يعد مثالا صارخا: لا أحد يرغب في مواصلة الاصطفاف مع الآخرين وانتظار دوره بشكل عادي. وإذا كان الأمر من جهة المستفيدين والبناء يعتبر سوقا للضجيج والتشاجر الذي يندلع مع أقل وأبسط خصام أو نزاع؛ فإنه من جهة المسئولين عن تلك المرافق؛ لا احد يحرك ساكنا ويتركون الأمور تتحول إلى سرك إذا لم يكن إلى ساحة مصارعة. قال أحد الفلاسفة: ؛عظمة الأمم تظهر من هزالة القشور+. وكذلك قيل إن الأنهار الكبيرة تملؤها السواقي الصغيرة. بينما عندنا فإن الأمور أصبحت تسير على منوال من يخترق الجموع من الناس بالقوة ليفتح لنفسه ممرا في وسط المدينة ولسان حاله يقول:؛اللِّي لْفِيتُو قْدَّامِي نْطْحْنُو+. هذا هو الفرق بين الضفتين: في أوروبا الكل يحترم الصفوف؛ وهنا لا أحد! *** تعليق المترجم على الرغم من أن التعاليم الدينية والحضارة الإسلامية تعدان اللبنة الأساسية التي بنى المسلمون على أساسها مبادئهم ورسخوا قيمهم، إضافة إلى أنها مدرسة تعلم منها المغاربة آداب تعاملاتهم وأخلاقيات تصرفاتهم وكذلك مهارة سلوكياتهم، إلا أن بعضهم يصرّ على أن الغرب هم الجنود المجهولون الذين ألفوا أبجديات الاتيكيت وأصول البروتوكول التي لا يزال علينا أن نستوردها. ينسى هؤلاء +المستوردون؛ أو +المتقمصون؛ أن نبي الإسلام كان أكبر متخصص في فنون الاتيكيت والتعامل، من خلال أحاديثه وسلوكه، وعند النظر إلى أقواله +تبسمك في وجه أخيك صدقة؛ و+تهادوا تحابوا؛ وغيرهما من الأقوال الدالة على مكارم الأخلاق، التي من شأنها الارتقاء بذات المسلم واحترام مشاعر الآخرين، وتنمية قيم الحضارة الإسلامية التي هجر الكثير من المسلمين آدابها وسلوكياتها. ويتباين الناس في سلوكياتهم وتختلف تصرفاتهم تبعاً لطبيعة شخصياتهم وحقيقة أهوائهم، فهناك من يكتفي بتطبيق معالم الذوقيات وملامح الاتيكيت خارج المنزل فقط ويتجاهلها داخله، كما أن هناك من يعتبر أن مراعاة الذوق واحترام مشاعر الآخرين ما هما إلا جملة من الكماليات وشيء من الثانويات. لقد علمنا ديننا أن نعطي للطريق حقه وأن نحترم حقوق الآخرين وننتظر دورنا في كل شيء؛ ولكن كيف وصل بنا الحال إلى هذا التدمير الذاتي للمجتمع من خلال اختراق نظم السلوك المدني المتحضر؟