الدخول إلى دوار الرزاكلة، الذي يبعد عن سيدي اسليمان بحوالي عشرة كيلومترا، يتطلب سيارة رباعية الدفع، فالدوار غمرته المياه من كل صوب وحدب، والتجول به يتطلب استعارة حذاء بلاستيكي (بوط) وإلا بقيت قدماك منغمستان داخل الوحل لينقذك سكان القرية. أحد المتطوعين الذي قدم إلى الرزاكلة قصد توزيع الخبز لم ينفعه حذاؤه الجلدي الولوج إلى المدرسة لحضور لقاء بعض الفاعلين الجمعويين، فحمله أحد شباب الدوار على أكتافه لحضور اللقاء، ليعيده بعدها حاملا إياه إلى سيارته. قرية ظل نصف سكانها بجانب بيوتهم المنهارة والمتشققة، والنصف الآخر هجر إلى سيدي يحيى، خاصة النساء والأطفال، منطقة يعتبر سكانها أنفسهم الأكثر تضررا والأقل استفادة من الإعانات. مربى وخبز تحت شعار الدوار في خطر نظم بعض سكان دوار الرزاكلة يوم الثلاثاء الماضي وقفة احتجاجية أمام بلدية ابن سليمان، المسيرة التي نظمها يوم الإثنين الفارط منكوبي دوار الرزاكلة؛ مشيا على الأقدام تجاه باشوية سيدي سليمان. محمد قدار، متقاعد، يحكي أسباب الأزمة ودوافع الاحتجاج قائلا لـالتجديد: الدوار تضرر سكانه البالغ عددهم 400 أسرة كثيرا بفعل الفيضانات، بعضهم لجأ إلى المدرسة وآخرون رحلوا إلى سيدي يحيى، والبعض فضل الجلوس قرب بيته في العراء لأنه لم يقو على فراق آثار منزله. محمد اجقم، يعتمد في كسب قوته اليومي على الفلاحة، غير أن الفيضانات أفقدته كل ما يكسب، وفضل البقاء إلى جانب بعض الماشية التي نجت من الماشية، إن الوضع مأساوي، ولا من يلقي لنا بالا، ما يهمنا هو الخيام والأغطية حتى نبقى بجانب مواشينا. نصف ساكنة الرزاكلة رحلوا إلى كل من خيرية ودار الثقافة بمنطقة سيدي يحيى، وهذا ما زاد من حدة معانتهم، لكون المنطقة بعيدة جدا عنهم وعن أفراد أسرهم. يقول أحد سكان الدوار الدوار الوحيد الذي قاموا بإيواء نسائه وأطفاله بمنطقة تبعد عنه بـ 30 كيلومترا، هل عجزوا عن إيجاد مأوى داخل مدينة ابن سليمان التي تبعد بحوالي 10 كيلموترات فقط؟. يزة سمق فضلت فتح دكانها المهدد بالانهيار لعلها تكسب دراهم بيضاء في ظل أزمة سوداء، يجلس قرب دكانها رجل لا حديث لها إلا عن المساعدات الغذائية وعدم استكمالها يقول بانفعال: قدموا لنا المربى والزيت وخمس خبزات، ولا مزيد، يقاطعه أحد سكان القرية بالقول: لا نريد سوى الخيام والأغطية، أما المواد الغذائية فلا حاجة لنا بها. لا نريد أغطية تحولت مدرسة دوار الرزاكلة إلى مأوى للساكنة، فضمت ما يقارب مئة شخص، كل قسم ضم ما يقارب عشرين شخصا من عائلة واحدة، ساحة المدرسة مازالت مغمورة بالمياه والوحل، ولا يمكن اجتيازها إلا وأنت مرتديا حذاء بلاستيكيا (البوط). جلس رشيد الكرش القرفصاء يتناول شايا وخبزا يعود تاريخه إلى يوم السبت الماضي، بأحد أقسام المدرسة، وزوجة أخيه ترتب بعض الأثاث الذي لم يلحقه الضرر بعض سقوط جدران منزلهم الذي كان يضم أربع إخوة رفقة زوجاتهم وأطفالهم. يقول الكرش: من نعم الله أن الأمطار توقفت، وإلا لكانت الأضرار أكثر حجما، المدرسة وحدها هي التي سلمت من الفياضانات فلجأنا إليها حتى حين. وفي قسم مجاور يوجد بعض أعضاء جمعية مدينتي التي قدمت من مدينة القنطيرة، لتقديم يد العون للدوار، تقول نعمية بوطاهر مكلفة بالأعمال الاجتماعية في الجمعية هذه أول زيارة لهذا الدوار قصد معرفة حاجياته، وبعد لقاءات متعددة مع السكان يمكن أن نجمل مطالبهم في الخيام والألبسة والأغطية والأحذية البلاستيكية، العديد من السكان قالوا لنا يكفينا أن نأكل الخبز والشاي، ولكن نريد مأوى بالقرب من منازلنا المنهارة. مساخيط الراضي من إيجابيات الفيضانات بدوار الرزاكلة، هو تفكير شبابها في تأسيس جمعية تنموية لعلها تعود بالنفع على القرية بعد مللهم من استغلال الكوارث من قبل بعض السياسيين. عبد السلام قدار، شاب فكر إلى جانب زملائه في هذه المبادرة، خاصة بعدما تبين لهم أهمية جمعيات المجتمع المدني من خلال زيارتهم من لدن بعض الجمعيات من أجل رصد حاجيات المتضررين، يقول قدار سمعنا بعض السكان يقول لنا اذهبوا عند البرلماني الذي صوتتم لصالحه لينفعكم في هذه الأزمة، ففكرنا أن نؤسس جمعية مستقلة وننخرط في عمل اجتماعي لفائدة الساكنة، لم يكن هذا الشاب وحده من أثار موضوع الانتخابات، فخلال المدة التي قضيناها بالدوار لا حديث لسكانه إلا عن عبد الواحد الراضي، وزير العدل، الذي قالوا إنهم لم يصوتوا عليه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فكان مصيرهم الحرمان من المساعدة، مما دفع بعضهم إلى وصف سكان الدوار بـمساخيط الراضي. إقصاء بالقرب من المركز الصحي بومعيز، بضواحي سيدي اسليمان، وقفت شاحنتان محملتان بمواد غذائية تابعة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، السلطات المحلية تشرف على التوزيع، رجال من القوات المساعدة يسهرون على عملية تنظيم الناس، نساء ورجال أشهروا بطائق تعريفهم يطالبون بالاستفادة من المواد الغذائية، بمجرد الحديث إلى أحدهم تتعالى أصوات الجميع منددة بحرمانها وإقصائها من الاستفادة، كل واحد منهم يصر على ضرورة تسجيل اسمه ونشره ضمن خانة غير المستفدين. كاد الحديث إليهم أن يتحول إلى مظاهرة احتجاجية ولربما نتهم بالتحريض، إذ أخذ بعضهم يصيح بأعلى صوته أين دولة الحق والقانون، فتقول أخرى لا شيء بالمغرب سوى الزبونية والمحسوبية، وبدأ بعضهم يردد هذا عيب هذا عار. وإصرارهم الجماعي على الحديث بتفصيل عن مأساتهم الإنسانية صعب مهمتنا، على الرغم من أن ظروفهم متشابهة، والفقر معضلة توحدهم، فجلهم ينحدر من دواوير فقيرة مثل دوار العوابد التابع إلى جماعة بومعيز. تقول (سعاد. ر)، ربة بيت هناك من الأسر من استفادت أكثر من مرة، وهناك من لم تستفد ولول مرة واحدة يقاطعها شاب في العشرينات من عمره قائلا: هناك حسابات انتخابية في الموضوع، فهناك مستشارون يتعمدون إقصاء بعض الأسر من المساعدات لأنها لم تصوت لصالحه في الانتخابات الماضية.