مهنيون يجدون فيه ضالتهم من قطع الغيار لسيارات الأجرة ومهاجرون لا تلبي رغباتهم المحلات المختصة في بيع قطع الغيار المنتشرة في جميع أنحاء المدينة. عالم لافيراي عالم المنافسة بين تجار بسطاء وصقور يسرقون لقمة العيش من فم الضعفاء، سوق داخلية تتحكم فيها الزبونية والمعارف والمصادر وسوق خارجية لا يلجها أصحاب الرساميل الكبيرة. هذه ملامح متعددة لوجه لافيراي القصديري. دخلته التجديد، واستقت البعض من هذا الواقع. ثمن مناسب على مشارف انتهاء شارع بغداد باتجاه البزازة تستقبلك بقعة أرضية لا شكل لها، تتكدس فوق سطحها كميات هائلة من القصدير والحديد وإطارات السيارات وأشياء أخرى، تكاد لاتميزها العين التي لم تألف هذا الفضاء الذي يسمى لافيراي موقع لبيع أجزاء وقطع غيار السيارات؛ يمتد على مساحة هكتارين تقريبا تابعة للأراضي الجماعية، ومحلات أخرى للخواص على طول مقطع شارع بغداد. عبد الإله شاب اختار مهنة بيع وشراء قطع الغيار المستعملة بـلافيراي لبني ملال، أشار بأصبعه إلى هذا الفضاء وقال هذه هي لافيراري أكوام من القصدير والحديد، حركة ذؤوبة بين سائل ومنهمك في تجزيئ سيارة مصابة بحادثة أو رفضت في الفحص التقني وحكم عليها بالانزياح من السير والجولان، معلمين ومتعلمين وأرباب المحلات. ويشتغل بالمنطقة ما يزيد عن 56 من أرباب الشغل، بالإضافة إلى المعلمين والمتعلمين، مما يرفع العدد إلى أزيد من 200 عامل، وآلاف ساعات العمل الموسمية والقارة يقول أحد العرفاء بالمهنة فضل عدم ذكر اسمه ولا صفته. مضيفا أنها قبلة المهني الذي لا يقوى على ثمن قطع الغيار الجديدة في محلات بواجهات الشوارع الكبرى من جهة، وكذا للباحث عن الجودة. جودة ومنافسة قال محمد (36 سنة) سائق طاكسي لا يمكنني اقتناء ما أحتاج إليه من قطع الغيار لسيارتي من المحلات التي تبيع الجديد لأني أبحث عن الجودة، فهنا أجد الماركة المطلوبة لسيارتي بثمن أقل من الأثمنة المتداولة في المحلات التجارية، وهذا لا يعني بالطبع أن لافيراي رخيصة، فالثمن مرتفع بالنظر إلى القوة الشرائية للمهنيين مثلنا، وأشار محمد أنه قد يشتغل أسبوعا كاملا لتسديد مبلغ قطعة غيار بسيطة. لكنها تبقى الملاذ الأوحد للمهنيين حيث يجدون فيه ضالتهم، والحاذق منهم من يربط علاقة زبونية مع أحد التجار على الأقل يراعي وفاءه للمتجر، مما ينقص عنه بعض الدريهمات أو على الأقل يوفر له سلعة جيدة. ومن ناحية أخرى، تبقى إكراهات التجار البسطاء متعددة، فبدءا بالمنافسة الشرسة وهيمنة أصحاب الرساميل الكبيرة، إلى تغذية السوق الداخلية، إلى أصحاب قطع الغيار المستعملة من خارج المغرب، إلى الاستحواذ على جميع الهميزات التي تأتي بين الفينة والأخرى عقب حادثة سير سيارة لا تترك حظ الإصلاح لصاحبها، إذ يوجد سماسرة مختصون يوجهون المنكوبين صوب هذا التاجر دون الآخر، مما يقضي على تكافؤ الفرص بين التجار الصغار البسطاء الذين لا يبقى أمامهم سوى ما عافت الصقور الكبيرة من أصحاب المال والجاه، والذين وصفهم أحد المهنيين بالأخطبوط الذي لا حد لامتداد أياديه يأكل من الداخل والخارج.. تلوث فضاء لافيراي بالرغم من كونه قريبا من المدينة، إلا أن مستعمليه يشتكون من قلة الأمن، وتعرض محلاتهم إما للسرقة أو الإتلاف بسبب المتسكعين والمشردين نظرا لعدم توفر الفضاء على سور يحميه، كما تنعدم فيه المرافق الصحية، وكذا البنيات التحتية الضرورية. كما تتعرض المحلات إلى أضرار كبيرة كل موسم أمطار بسبب الفيضانات، إذ تغمرها المياه، مما يقطع الطريق أمام الزبناء ـ يقول أحد المتضررين باسم العاملين هناك ـ خاصة بسبب فيضان وادي داي، الذي يغمر المنطقة ويوقف نشاطها لأيام متواصلة، ناهيك عن انعدام مرآب لوقوف السيارات. فضاء لافيراي بقدر ما يدر على البعض أموالا كبيرة خاصة في فصل الصيف مع دخول الجالية المقيمة بالخارج، بقدر ما يحدث للبعض الآخر متاعب بيئية وصداع الرأس وتشوها جماليا ووكرا لتجميع الأزبال والنفايات، يقول أحد ساكني الحي المجاور، مبديا تخوفه من حركة المرور، وما قد تتسبب فيه من خطر على أطفال الحي يهدد سلامتهم وصحتهم، واقترح تنقيل هذا الفضاء إلى مكان خارج المدينة لأنه يوجد الآن وسط تجمعات سكنية كبيرة، وبالتالي لا يعقل أن يستمر نشاطه هنا، فإذا كان وجوده يساعد على إصلاح السيارات، فإنه من جانب آخر يسهم في إفساد حق جيرانه من الساكنة في فضاء نظيف وآمن.