فلينطلق دعم غزة من الآن، مباشرة بعد توقف العدوان وذلك بالتثمين لهذا التفاعل الشعبي الكبير والقوي والواسع، وذلك باستثماره على سائر المستويات، خاصة وأنه شمل كل الفئات وكل الشرائح وكل الأعمار وكل التوجهات والتيارات، التي تجاوبت بشكل كبير ومنقطع النظير مع المقاومة. بل كم سنكون مقصرين إذا لم نتجاوب مع هذه الصرخات ومع هذه الصيحات ومع هذه الآهات، إن المطلوب في مثل هذه اللحظات، من طليعة الأمة ومن العلماء والمفكرين ووالقيادات السياسية والفعاليات المجتمعية، أن تلتقط الإشارات وتأخذ بزمام المبادرة ، وذلك بالعمل على التأسيس لما بعد هذا الزخم الشعبي، وما يقتضيه وما يصبو إليه وما يتطلع إليه من اهتمام بالقضايا الكبرى والقضايا المصيرية والاستراتيجية للأمة، وفي مقدمتها قضايا التحرر والانعتاق من الاستعمار والاحتلال، وعلى رأسها تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، وبذلك فقط ينطلق الدعم الحقيقي لغزة. فلتنظم الندوات، والمحاضرات، والفعاليات، في كل مكان، وفي كل المجالات، وفي كل الفضاءات، كل في مجاله، وكل في محيطه، تحت شعار لن ننسى محرقة غزة ونحن للمجرمين بالمرصاد. طبعا ليس بالاحتجاجات والوقفات وحدها ولكن بالعمل بالمؤسسات والمنظمات الحقوقية والإعلامية والسياسية والجمعوية، وبذلك فلينطلق الدعم لغزة، وليستمر دون انقطاع. وإذا كانت كلمة المقاومة تعني مقاومة الاحتلال، ورفض الذل والهوان، ومقاومة الظلم بجميع أنواعه وأشكاله، وبجميع الوسائل والإمكانيات المتاحة والممكنة، فإن المقاومة تعني أيضا مقاومة النسيان، ورفض محاولات غسل الذاكرة الجماعية، أو تخدير الوعي الجماعي، ومقاومة كل ذلك، بجميع الوسائل والأساليب الممكنة، حتى لا ننسى القضية، ولا ننسى جرائم الأعداء، ولا ننسى الدماء التي سالت، ولا ننسى عدد الشهداء وعدد الجرحى، يجب أن نحفظها عن ظهر قلب، يجب أن تبقى محفورة في ذاكرتنا، يجب أن نبحث عن أسماء الأطفال الشهداء، ونعمل على الحصول عليها، نسمي أبناءنا بها، ونخبر الأجيال بقصتها، ولنضع لائحة بهذه الأسماء، تذكرنا بأطفال غزة، وبجرائم الصهاينة، أعداء الإنسانية، وأعداء الطفولة، وأعداء البراءة ، يجب ألا ننسى عدد البيوت التي هدموها، وحجم الدمار الذي خلفوه، وهول الكارثة والجريمة والمحرقة التي اقترفوها، في حق إخواننا وأشقائنا. يجب ألا ننسى إجماع الصهاينة على تأييد المحرقة، وأنه لا فرق بين يمين أو يسار، ولا بين حزب العمل أو حزب الليكود، ، كما يجب علينا ألا ننسى المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين من طرف مجلس الأمن والمؤسسات الدولية. وقبل ذلك وبعده يجب علينا ألا ننسى أن الحصار لا زال مفروضا على غزة، وأن الاحتلال لا زال جاثما على فلسطين، وأن العدوان لا زال مستمرا ضد إخواننا، وأن المسجد الأقصى لا زال أسيرا وتحت التهديد بالهدم. إن كلمة المقاومة تعني كذلك مقاومة التطبيع مع المجرمين، ومع الأعداء، خاصة وأن هذا التفاعل الجماهيري قد دفع بالمطبعين، والمتآمرين على قضايا الأمة وعلى شعوبها، إلى أن يخسئوا ويخنسوا كما يخنس الوسواس الخناس، ويدخلوا جحورهم، ويتواروا عن الأنظار، بعد أن تَكَشَّفَ الوجه الحقيقي البشع والقبيح مرة أخرى، لأولياء نعمتهم من الصهاينة المجرمين والإرهابيين، قتلة الأطفال، وأعداء الإنسانية، وعليه فإن دعم غزة يوجب علينا أن نكون بالمرصاد، لكل من سولت له نفسه معاودة الكلام عن التطبيع مع المجرمين الصهاينة، أو معاودة السعي للعمل على أي اختراق صهيوني لمجتمعاتنا ولأمتنا ولأسواقنا ولثقافتنا، وأن نكون بالمرصاد لكل محاولة منهم لمعاودة الخروج أو معاودة الظهور، وليكن رصيدنا الأساسي في هذه المعركة المستقبلية ضد التطبيع، هو كل هذا الزخم الشعبي وهذه التظاهرات الجماهيرية، وهذه المسيرات المليونية الحاشدة، وهذه الوقفات والفعاليات المختلفة والمتعددة والمتنوعة، لأن هذه الجماهير ما خرجت إلا ليُسمعَ صوتها، وما هتفت إلا لتقول كلمتها، وما صرخت إلا لتُدين المطبعين والمتآمرين والمتخاذلين والخونة، وتفضحهم وتعريهم، ويجب ألا يتوقف العمل على فضحهم وتعريتهم حتى يعودوا إلى رشدهم، وحتى لا يأتي بعد اليوم من يبرر التطبيع تحت أي عنوان من العناوين أو أي شعار من الشعارات. إن كلمة المقاومة تشمل كذلك المقاومة الاستهلاكية، أو المقاطعة الاقتصادية، أي مقاطعة المنتوجات والبضائع والشركات، التي تدعم الصهاينة، سواء الصهيونية منها، أو تلك الحليفة والمجاهرة بالتأييد، لأن الرصاص والقذائف والأطنان من المتفجرات، التي تقصف أطفال فلسطين، وأبناء فلسطين، وإخواننا وأشقاءنا في فلسطين وفي غزة، إنما يتم تمويلها من أموال هذه الشركات المساندة للصهيونية، والمساهمة معها، والمؤيدة لها في جرائمها، وفي احتلالها، واغتصابها لأراضي غيرها. إن المقاومة الاقتصادية لا تقل أهمية عن المقاومة الميدانية، بل إنها تكملها وتسندها، وتدعمها، إن أمة المليار ونصف المليار من المسلمين لتمثل سوقا استهلاكية كبيرة، ولو أنها أعلنت كلها عن تبنيها للمقاومة الاقتصادية وعملت على توسيع رقعتها حتى تشمل الأمة كلها وحتى يلتزم بها الجميع، لكان لذلك الأثر البليغ، ولشكلت ورقة ضغط لا يستهان بها، ولأعلنت عدد من هذه الشركات إفلاسها، ولسمع العالم لهذه الأمة صوتها، ولذلك فليكن شعارنا المقاومة بجميع أشكالها، وبذلك ينطلق الدعم الحقيقي لغزة ولأهلها