كان المفروض أن تسارع القناة الثانية إلى بث أكثر من حلقة حوارية مباشرة حول العدوان الصهيوني على غزة وتداعياته على المنطقة العربية والإسلامية لتنوير الرأي العام بحقيقة المخططات الإسرائيلية في تغيير خريطة المنطقة العربية، فليس مقبولا أن تكون القنوات الرسمية المغربية دون مستوى إثبات قدرتها على التننافس مع القنوات الفضائية ليس من جهة الخبر، ولكن على الأقل من جهة التحليل ونقل وجهات نظر المحللين السياسيين والمفكرين والمثقفين والعلماء والفنانين والرياضيين المغاربة، فلا يتصور أن قناة ما يمكن أن تنافس الإعلام المغربي على هذا المستوى. وعلى الرغم من هذا العتاب الصادق، فإن حلقة الثلاثاء أول أمس الثلاثاء من برنامج مباشرة معكم كانت حلقة إيجابية في عمومها لأنها استطاعت أن تعطي صورة حقيقية لما يجري داخل غزة من محاولات صهيونية لتركيع المقاومة وخلق منطقة شرق أوسط جديد لا ترتفع صوت ممانع يطالب بزوال الاحتلال، كما استطاعت هذه الحلقة في محور ما العمل؟ أن ترصد كل الأشكال التضامنية مع المقاومة بدءا من تحريك الغضب الشعبي في الشارع ومرورا بالضغط على الأنظمة السياسية لرفع سقف مواقفها ضد العدو إلى درجة قطع العلاقات الديبلوماسية مع دولة الكيان الصهيوني وتحريك ما يسمح به القانون الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من تدابير قانونية وحقوقية من أجل معاقبة إسرائيل على ارتكابها لجرائم حرب ضد الأطفال والمدنيين، وانتهاء بتفعيل التضامن الشعبي والتطوعي لدعم المقاومة في صمودها البطولي لاضد الاعتداءات الصهوينية الغاشمة. لكن المثير حقا في الحلقة كان هو الموقف من المقاومة والتسوية على حد سواء، وكان الأكثر إثارة كلام الوزير المفوض في السفارة الفلسطينية بالمغرب عن المقاومة والتسوية، حيث قال واصف منصور إن الثورة الفلسطينية كسبت في مرحلة الكفاح المسلح، ولم تكسب شيئا من اتفاقية أوسلو، وأشار إلى أن القضية الفلسطينية تكسب اليوم بالمقاومة، وشدد على أن اللحظة السياسية التي تعيشها القضية الفلسطينية هي لحظة وحدة وطنية جسدتها تلاحم قوى وفصائل فلسطينية على ساحة المقاومة للعدو، وأكد أن دور المقاومة هو الزرع، وأن على العمل السياسي مهمة حصاد ما بذرته المقاومة، وهو موقف يحتاج في الحقيقة للتثمين، وكم كان عسيرا أن يقتنع السيد واصف منصور بهذا الموقف الذي يعتبر من أدبيات حركات المقاومة، لولا أن الأحداث تكون في كثير من الأحيان كفيلة بتغيير ليس فقط المواقف، وإنما تغير حتى توجهات الأشخاص الفكرية والمذهبية والسياسية. وإذا كان من فضل لهذه الحلقة، فقد كشفت تهافت الأطروحة الانهزامية التي مثلها الأستاذ عبد اللطيف اللعبي خير تمثيل حينما كان يلتف بكلام فيه كثير من الغموض حول نقطة تحميل حماس مسؤولية ما يجري في غزة دون أن يجرؤ على البوح بهذا الموقف، والسخرية من سلاح المقاومة بوصف صواريخ حماس بالحراقية حين قال بالحرف: وهل ننتظر من الحراقية التي تطلقها حماس أن تواجه العهدو الصهيوني وأن تغير معادلة الصراع العربي الإسرائيلي منتقدا أسلوب العمليات الاستشهادية التي وصفها بالانتحارية. ولقد كان الأستاذ راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قويا في رده حين كشف تهافت الأطروحة الانهزامية التي عبر عنها اللعبي، ووجه إليه سؤالا واضحا حتى يخرج من غموض الكلام واضطراب الموقف، فكان جواب اللعبي أنه لا يحمل حماس المسؤولية عما يجري ولجأ إلى لغة أكثر غموضا وطرح ضرورة تجديد وسائل النضال الفلسطيني!! المهم في هذه الحلقة أن أطروحة الانهزام وتحميل المقاومة مسؤولية ما يجري في قطاع غزة من عدوان غاشم والخدمة المجانية للمقولات الصهيونية ظهرت ضعيفة مضطربة غير مسنودة بأية معطيات موضوعية، وأن أطروحة المقاومة والصمود صارت تتوفر على أعلى شروط الموضوعية والمصداقية.