سوف لن تؤثر العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية حالياً ضمن دائرة الاستهداف العسكري الميداني المباشر المتمثلة في قطاع غزة، وإنما ستمتد تأثيراتها بما يتجاوز ذلك. بكلمات أخرى ستؤثر هذه العملية على التوازنات داخل الساحة الفلسطينية والعلاقات العربية البينية وعلى وجه الخصوص توازنات وعلاقات الكيانات العربية الموجودة في منطقة شرق المتوسط باعتبارها المعنية أولاً وقبل كل شيء بالتأثيرات والتداعيات المباشرة وغير المباشرة للعملية العسكرية الإسرائيلية. * نطاق الصدمات: تحليل الصدمات: الصدمات العسكرية الميدانية في قطاع غزة أدت إلى توليد طاقة عالية من العنف السياسي الرمزي، على النحو الذي أدى بدوره إلى توليد المزيد من الصدمات السياسية والدبلوماسية ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي: • الصدمات السياسية: كانت الصدمات السياسية تجد محفزاتها في مثلث الموقف الإسرائيلي – الأمريكي – الأوروبي، ولكن ما هو جديد هذه المرة هو أن محفزات طاقة توليد الصدمات كانت بفعل مواقف مثلث تل أبيب – القاهرة – رام الله، وهي المواقف التي ظلت تعمل باتجاه القضاء على حركة حماس بشتى الوسائل والتي بدأت بالوسائل السياسية عن طريق محاولة عزل حماس، والوسائل الاقتصادية عن طريق قطع المساعدات والمعونات ومحاصرة القطاع وانتهت بالوسائل العسكرية الإسرائيلية قيد الاستخدام حالياً. وستؤدي طاقة الصدمات السياسية إلى المزيد من الاستقطابات داخل الساحة السياسية الفلسطينية خاصة وأن مثلث تل أبيب – القاهرة – رام الله يدفع باتجاه استثمار مذهبية الصدمة والترويع التي تقوم بتطبيقها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، بما يضع السكان الفلسطينيين أمام خيار مساندة حماس وبالتالي مواجهة الضربات العسكرية الإسرائيلية، أو مساندة فتح وبالتالي تفادي هذه الضربات والحصول على المساعدات في حالة تقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل. • الصدمات الدبلوماسية: كانت الصدمات الدبلوماسية تجد محفزاتها في أداء الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا داخل مجلس الأمن الدولي وبقية المنظمات الدولية الغربية، ولكن، ما هو جديد هذه المرة، أن محفزات توليد طاقة الصدمات الدبلوماسية انتقلت إلى داخل الجامعة العربية بسبب موقف محور القاهرة – رام الله المائل إلى جانب إسرائيل في صراعها في غزة، إضافة إلى تواطؤ الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مع تلميذه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط. الصدمات الدبلوماسية تمثلت في محاولة القاهرة إدارة ملف أزمة غزة عن طريق استخدام ورقة وقف إطلاق النار بما يتيح لها ترويض قطاع غزة إما عن طريق التخلص من حركة حماس واستبدالها بحركة فتح، أو بتركيع حركة حماس وتحويلها إلى تابع لأجندة وزير الخارجية المصري أبو الغيط المتوافقة سلفاً مع توجهات محور واشنطن – تل أبيب. ستنتقل تداعيات الصدمات السياسية والدبلوماسية إلى البيئة الإقليمية العربية، وذلك بما يمكن أن يعزز حالة الانقسام العربي ويجعلها أكثر عمقاً.. هذا، وتشير التطورات الميدانية في المسرح العربي إلى نهوض واسع لموجة العداء في الرأي العام العربي لدبلوماسية القاهرة وعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبح الانتقاد العلني لدبلوماسية القاهرة على لسان العديد من الأطراف العربية، فقد برزت الانتقادات في الأردن ولبنان ومصر نفسها إلى درجة الصدام مع قوات الأمن المصرية والفئات المصرية التي تحركت معبرة عن رفضها لدبلوماسية القاهرة الحالية. * تحليل الصدمات في الساحة الفلسطينية: تمثلت تداعيات ما بعد أوسلو وخارطة الطريق إلى انقسام في خارطة الطريق الفلسطينية بحيث أصبحت حركة فتح ضمن مسار خيار المفاوضات وعملية السلام في الشرق الأوسط وأصبحت حركة حماس ضمن مسار المقاومة المسلحة. الفشل والإخفاق المضطرد في مسار خيار المفاوضات وعملية سلام الشرق الأوسط أدى إلى إضعاف نفوذ حركة فتح وصعود نفوذ حركة حماس، وما كان مثيراً للانتباه يتمثل في الآتي: • سيطرة حركة فتح على منظمة التحرير الفلسطينية. • أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية أداة في يد حركة فتح. بالمقابل لذلك، فإن حركة حماس لم تجد سبيلاً متاحاً تنضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية طالما أن الانضمام إليها يصطدم بقضية فتح المتمثلة بضرورة الاعتراف بأوسلو وخارطة الطريق وغيرها، أما بالنسبة للمنظمات الفلسطينية الأخرى فقد اتخذت موقفاً مزدوجاً أقرب منه إلى الذرائعية البراجماتية السياسية فهي من جهة تؤيد مقاومة حماس المسلحة ليس حباً في حماس وإنما خوفاً من مواجهة العزلة في الشارع الفلسطيني الداعم للمقاومة المسلحة ومن الجهة الأخرى تتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ليس حباً في حركة فتح ولكن خوفاً من انقطاع قنوات الدعم المالي والغطاء السياسي الذي توفره لها المنظمة. الآن، ستنتقل موجة جديدة من الصدمات إلى داخل المنظمة التي يتوجب عليها أن تحدد موقفاً صريحاً ليس إزاء ملف أزمة غزة وإنما إزاء ملف المقاومة المسلحة ومدى التمسك أو عدم التمسك بها، وبكلمات أخرى فإن منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت الآن مطالبة بإعادة ترتيب أولوياتها لجهة من سوف يكون في الصدارة: المقاومة أم المفاوضات؟ وإن شئنا بطريقة أخرى: المقاومة بالسلاح أم المقاومة بالمفاوضات أم تنسيق الاثنين معاً بحيث تتوقف ضربات حماس عندما تنعقد المفاوضات وتنطلق ضرباتها عندما تفشل المفاوضات. بكلمات أخرى يمكن القول أن محور تل أبيب – واشنطن اختار خارطة الطريق الخاصة به فهل سينجح الفلسطينيون في اختيار خارطة الطريق الخاصة بهم؟