ما يجري اليوم من حصار شامل لقطاع غزة ومن معاناة إنسانية شديدة يطرح عدة تساؤلات على الحكومات العربية، فقد دخل هذا الحصار يومه الرابع والعشرين، ووصلت المعاناة إلى أعلى مستوياتها، وأصبح الفلسطينيون يعيشون في ظلام دائم بعد انقطاع التيار الكهربائي، وجف مخزون القمح والدواء، ودخل الفلسطينيون في القطاع في مسلسل القتل البطيء دون أن يجد صوتهم أدنى استجابة من الأنظمة العربية الرسمية والمنتظم الدولي. فمن جهة، لا يتردد الكيان الصهيوني وبعنجهية متغطرسة في التعبير عن رفضه فتح المعابر للتخفيف عن المعاناة الإنسانية للفلسطينيين، ومن جهة أخرى، يقف النظام العربي الرسمي موقف الشاهد على المعاناة العاجز عن أي مبادرة في اتجاه فك الحصار. وحتى مصر الشقيقة، التي تملك أن ترفع هذا الحصار من جهتها بفتح معبر رفح الذي يوجد على حدودها مع غزة، تقف عاجزة عن اتخاذ أي قرار سياسي شجاع يجسد التضامن العربي ضد إرادة الكيان الصهيوني في تركيع المقاومة الفلسطينية المشروعة. بكل أسف، في الوقت الذي كان ينتظر فيه أن يتوحد الموقف الفلسطيني بجميع فصائله لرفع هذا الحصار الظالم ورفع المعاناة الإنسانية عن القطاع، يلابس الغموض موقف الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن الذي لا يتردد وحكومته في اتهام حماس بالمسؤولية عن الأوضاع التي يعيشها قطاع غزة، وكأن هذا القطاع لم يعان الحصار إلا عندما صعدت حماس إلى السلطة!! إنه من الضروري أن نتساءل اليوم، بعد أن عجز النظام العربي عن التحرك لفك هذا الحصار، وبعد أن فشل في تجسيد قيم التضامن العربي، ونصرة القضية الفلسطينية، عن المسؤول الحقيقي عن هذا الحصار؟ هل هو الكيان الصهيوني الغاصب أم النظام العربي الرسمي؟ أم جهات في السلطة الفلسطينية؟ من المؤكد أن النظم العربية تملك أكثر من خيار لفك الحصار، ومن المؤكد أيضا أنها تملك خيارات متعددة لدفع المنتظم الدولي إلى التحرك للضغط على الكيان الصهيوني لرفع الحصار، ومن المؤكد أيضا أن الرئيس عباس أبو مازن وحكومته تملك في إطار استراتيجية فلسطينية وطنية أن يفرض على الكيان الصهيوني رفع الحصار على قطاع غزة، ومن المؤكد أن النظم العربية على الأقل تملك إن هي أقرت بعجزها أن تترك للمبادرة الشعبية والمدنية هامشا أوسع للتعبير عن تطلعاتها ومبادراتها في اتجاه رفع الحصار. لكن يبدو أن أحدا من هذه الخيارات لا يجد طريقه إلى التنفيذ، فاجتماعات وزراء الخارجية لا تخرج بغير الشجب والاستنكار، والرئيس الفلسطيني بدلا من الوعي بخطورة هذه التحديات والتوجه نحو الفصائل الفلسطينية من أجل الاتفاق على استراتيجية وطنية للنضال الفلسطيني لا يجد غير اتهام حماس مشجبا ليعفي نفسه من مسؤولية التحرك من أجل رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والنظم العربية، وخاصة النظام المصري، تتلكأ في اتخاذ مبادرات حقيقية تجسد التضامن العربي، فلحد الآن، وبعد مرور ثمانية أيام، لم ترخص السلطات المصرية للوفد المغربي الراغب في الدخول عبر معبر رفح بمساعدات طبية إلى الشعب الفلسطيني بدعوى المساطر والإجراءات، ولا يبدو هناك أي مؤشر إيجابي على أن السلطات المصرية ستقدم على فتح هذا المعبر لهذه القافلة الإنسانية. إن هذه المعطيات وغيرها مما يجري على الأرض، بات يؤكد بأن الحصار ليس حصارا صهيونيا فقط، ولكنه حصار عربي تشارك فيه للأسف قوى فلسطينية لا تحركها المصلحة الوطنية وإنما تتحكم في مواقفها اعتبارات سياسية ضيقة. وسواء كان الحصار عربيا وفلسطينيا بالقصد والمشاركة، أم بالتواطؤ والسكوت، فلا يمكن أن يختلف أحد على أن ما يجري اليوم في قطاع غزة يعتبر جريمة إنسانية بكل المعايير بما في ذلك المعايير الدولية.