كثيرة هي دوائر الجهل التي تشم (من الوشم) حياتنا اليومية بالكره، وتعرقل مسيرة صفوها بالألم الإهانة، باسم العادات تارة، وباسم الدين أخرى، وباسم الذكورة والفحولة تارة وأخرى. دوائر جهل شتى، نحتاج إلى فك شفرتها لنزر من الجرأة، وغير قليل من الزجر، وغلالة من القيم الروحية (العدل، حسن المعاملة، الرفق، الرضى بالقضاء والقدر...) وجرعات من الوعي بحقيقة الأمور، بالأصل في الأشياء، بعواقب الأحداث، في مجتمع ذكوري بامتياز. دوائر جهل، قد تبعث على الضحك أحيانا، كما قد تبعث على البكاء والندم والحسرة والجنون أخرى، ومن ثمة، لتؤثث لمشهد مأساوي هو دراما حقيقية، بطلاها في غالب الأحيان: أنثى منكسرة، وذكر متغطرس. ولسنا نعدم الأدلة على صدق القول، لأن عودة متأنية لحياتنا اليومية وعبرها لأخبار صحفنا، تشي بهذا المشهد، وتفضح تلك الدراما. دراما، هي نتاج حقيقي لمنتوج أجمعت الإنسانية على نبذه، هو الجهل بكل تداعياته. دراما، لعل آخرها الانتحار الأنثوي بمحطة قطار المحمدية ليوم الأربعاء 29 أكتوبر الماضي. دراما، بقدر ما تبعث على الشفقة والحسرة واستجداء الرحمة للضحايا، وهن على سبيل التذكير أم حبلى بأنثى وبناتها الثلاث، بقدر ما تثير حالة غضب على الأب الذي وشم حياتهن جميعا بالألم. بقدر ما تحرك بعضا من الدمع العالق في العين، على الحالة المرضية التي أخرجت الأم المجروحة عن صوابها، وعن أسلوبها في توديع الدنيا رفقة فلذات كبدها، بقدر ما تبعث على الصراخ في وجه ذلك الرجل الذي لم يبلغ عن اختفائهن في حينه، كما لم يرض- من قبل- بقسمته، فراح يفتش في جيوب المتعة الموبوءة، بحجة البحث عن الجنين الذكر ولا عجب! وبالجملة، كثيرة هي السيناريوهات المماثلة التي تكتبها على مضض، وبمداد الألم والدم والهزال بنات حواء، وكثيرة هي أدوار البطولة التي يلعبها أبناء آدم في زمن الأنوثة المغتصبة. * إذ هناك من تتلقى الكدمات الزرقاء على عينيها السنوات الطوال؛ جراء خلقتها الأنثوية، فلا هي كلت من الضرب والإهانات المتكررة والتهديد بالضرة المرتقبة، ولا هو كف وارتدع وحمد الله. *وهناك من أخرجت وبناتها من دارها عنوة بحجة الميراث، من قبل أهل الزوج المرحوم. *وهناك من لم تأبه بتعليمات الطبيب المختص، ففارقت الحياة وهي تضع مولودها الذكر بعد سنوات انتظار مرة، وبعد إلحاح قاتل من الزوج.... وهناك وهناك وهناك....أمثلة وأخرى، تعلن فيها بنات حواء أنهن المسالمات، وتمددن الغصن الأخضر مرغمات، كي يحرقه -عن جهل أو قصد - أبناء آدم، تحت ذريعة الفحولة والرجولة وامتداد النسل والحفاظ على النسب والكنية... وإلى أن يستفيق المجتمع الذكوري بامتياز من أخذة العجب هذه، ويعي أنه لولا أمه حواء ما كان له مع الأنام لقاء، ويعود إلى حدود ربه في تقدير بناتها والإحسان إليهن، والتأسي بأشرف الخلق (ص) في معاملتهن(رفقا بالقوارير)، سأعزف على إيقاع آمالهن جميعا في غد أفضل أنشودتي: إذا حزت الفخـار فـــلا تـبال بنقص في الجبلة أو كمال فما التأنيث في اسم الشمس نقص ولا التذكير فخـر للهـلال