تكاد جمعيات المجتمع المدني تجمع على أن تناول الخمر والمخدرات يتصدر أسباب العنف الأسري، ويؤدي إلى نتائج سلبية على الأطفال ومؤسسة الأسرة، وبالتالي تنتج ظواهر اجتماعية سلبية أبرزها التسرب الدراسي للأبناء، وإصابتهم بأمراض نفسية مثل التبول اللاإرادي، وتكاثر أطفال الشوارع. وقد أكدت إحصاءات عدة جمعيات أن نسبة العنف الناتج عن تناول الخمر تفوق باقي نسب أسباب العنف الأسري، فحسب مركز النجدة للنساء ضحايا العنف بالدار البيضاء؛ تبلغ نسبة الممارسين للعنف نتيجة تناول الخمر 70 في المائة، وأثبتت دراسة لجمعية كرامة لتنمية الأسرة بطنجة لسنة 2007 أن تناول الخمر والمخدرات يأتي في المرتبة الثانية من أسباب ممارسة العنف؛ بعد سبب النفقة والحضانة، وأثبتت إحصاءات مركز الإرشاد النسائي بأكادير أن الإدمان على المخدرات يتصدر أسباب الخلافات الأسرية لدى الحالات الواردة على المركز. إنها حقائق يجدر بالقائمين على الحملة السادسة لمحاربة العنف ضد النساء التي انطلقت أمس، وتستمر إلى غاية 10 دجنبر المقبل، أخذها بعين الاعتبار حتى يتم تحجيم المشاكل الأسرية الناتجة عن العنف الأسري مهما كانت نتائجه. خمر وفقر صرحت عائشة لخماس مديرة مركز النجدة للنساء ضحايا العنف بالدار البيضاء لـ التجديد أن : لكل حالة من حالات العنف التي ترد على مركز النجدة للنساء ضحايا العنف بالدار البيضاء سبب خاص بها، لكننا نلاحظ أن مشكل تعاطي الخمر والمخدرات والقمار من قبل الممارسين للعنف يمثل أكثر من 70 في المائة من أسباب العنف الممارس ضد تلك الحالات، وبالإضافة إلى هذا السبب نجد الأسباب الاقتصادية، إذ إن أكثر من 60 في المائة من حالات العنف يكون الزوج فيها بدون دخل قار، كما أن النساء المعرضات للعنف في غالبهن ذوات مستويات دراسية متدنية أو أميات. وأضافت عائشة لخماس أن من أسباب انتشار العنف سيادة أفكار لدى بعض الرجال بأن المرأة يجب تربيتها بالضرب، ومن نتائج العنف أنه يشمل الأطفال أيضا، بل وفي غالب الحالات يتم طرد الزوجة من بيت الزوجية رفقة أطفالها؛ لتجد نفسها أمام مسؤولية حضانة الأبناء دون أن يكون لها مورد قار، ودون أن تجد سبيلا إلى ولوج سوق الشغل التي يعجز ذوو الكفاءات عن اقتحامها، بله النساء الفقيرات الأميات. ومن أخطر التأثيرات على الأطفال شيوع الأمراض النفسية من قبيل التبول اللاإرادي والتوقف عن الدراسة، مما ينتج أطفالا مشردين محرومين يصبحون في نهاية الأمر أطفالا للشوارع مشردين مؤهلين لممارسة العنف عند كبرهم. إدمان المخدرات يتصدر الإدمان على المخدرات أسباب الخلافات الأسرية لدى الحالات الواردة على مركز الإرشاد النسائي بأكادير، حسب إحصائية أخيرة له حصلت التجديد على نسخة منها، بنسبة 27 في المائة من مجموع أسباب تلك الخلافات، يليه مشكل العنف والنفقة بنسبة 20 في المائة لكل منهما، ويأتي إثبات النسب في المرتبة الثالثة من أسباب الخلافات الأسرية بنسبة 9 في المائة، تليه الخيانة الزوجية بنسبة 8 في المائة، ليبقى الشذوذ الجنسي والاغتصاب في مؤخرة لائحة الأسباب المؤدية إلى الخلافات الأسرية الواردة على المركز بنسبة 6 في المائة للأول، و 4 في المائة للثاني وتبقى 6 في المائة من تلك الأسباب موزعة بين مشاكل أخرى. وتمثل نسبة المتزوجات من الحالات الواردة 80 في المائة، فيما المطلقات 11 في المائة و 9 في المائة عازبات. خلل وظيفي ويتبين من خلال تقرير سابق لمركز الترشيد الأسري التابع لمنظمة تجديد الوعي النسائي أن نسبة الإدمان على الخمور تعد السبب الرئيس للعنف الجسدي داخل الأسرة، تليه الأمراض النفسية والعلاقات الشاذة بنسبة 3 في المائة، والأمراض الجسدية للمتهم بالعنف بنسبة 1 في المائة، أما الاستفزازات من قبل الضحية فتصل نسبتها إلى 5 في المائة. وترى سعاد العماري عضو المكتب الإداري للمنظمة أنه عندما تؤكد الإحصائيات ارتفاع وتيرة الإجرام والإهمال والقتل والسرقة داخل الأسرة في أي مجتمع، فإن أصابع الاتهام تشير إلى الخلل الوظيفي داخل الأسرة الذي ينتج شخصيات ميالة إلى العنف. وبالتالي، فإن مركز الترشيد الأسري والمساعدة القانونية التابع لمنظمة تجديد الوعي النسائي يرصد بقلق ظاهرة العنف الأسري من خلال الحالات الوافدة عليه يوميا. وارتأت المنظمة، حسب سعاد العماري، أن تتناول العنف الأسري وليس العنف ضد المرأة، لأن هذا الأخير هو فقط جزء من العنف الشامل. الإدمان بعد النفقة تتصدر مشاكل الطلاق والنفقة أهم أسباب العنف ضد النساء، حسب دراسة تشخيصية لأسباب العنف ضد المرأة من خلال مقاربة ميدانية لـ 500 حالة قامت بها جمعية كرامة لتنمية المرأة بطنجة خاصة في سنة ,2007 حصلت التجديد على نسخة منها، إذ بالنسبة لمائة حالة من النساء المعنفات، 30 في المائة يشتكين من مشاكل النفقة، و30 في المائة طلبن الطلاق. ويلي إدمان الزوج على المخدرات النفقة والطلاق بنسبة 26 في المائة من النساء المعنفات. أما الخيانة الزوجية فبلغت نسبتها من حالات العنف ضد النساء، حسب الدراسة نفسها، 12 فغي المائة، متبوعة بإدمان الزوج على الخمر بنسبة 10 في المائة. وتتوزع النسب الدنيا لأسباب العنف بين عدم قيام الزوج بالواجبات العائلية بنسبة 5 في المائة ومشاكل السلفات والاختلال العقلي عند الزوج وعدم التوافق الفكري مع الزوج بنسبة 2 لكل منها. زجر قانوني أمام هذه الأرقام الدالة على واقع عديد من الأسر التي باحت بمشكل العنف داخلها،أما الأعداد التي تكتوي بناره دون أن تبوح به فبدون إحصاء، ويبقى انتظار الحل مطمح الجميع، متضررين ومهتمين، والحل لا يقتصر على الشق القانوني وإن كان مهما، بل هو في جانب منه زجري وفي شقه الآخر تربوي إرشادي اجتماعي واقتصادي. وفي ما يتعلق بالقانون فإن أنظار المتتبعين تتجه نحو سن قانون لمحاربة العنف الذي قدمت خطوطه العريضة من قبل وزارة التنمية الاجتماعية منذ دجنبر 2006 ، وأفادت وزارة التنمية الاجتماعية في الأيام الأخيرة أن مشروع القانون هذا وصل إلى المراحل الأخيرة، إذ تعقد آخر جولة للتشاور مع جمعيات المجتمع المدني، قبل أن يتم تقديمه إلى الأمانة العامة للحكومة، ليعرض بعد ذلك على المجلس الحكومي والوزاري والبرلمان من أجل المصادقة عليه. ويتناول محور من المشروع التدابير الزجرية للعنف من اعتماد العقوبات المقررة في القانون الجنائي والقوانين الأخرى كأساس للزجر، ووضع عقوبات خاصة، فيما لا توجد بشأنه عقوبة جنائية ملائمة، وتقرير عقوبات تكميلية. أما المحور المتعلق بالتدابير الإجرائية فيتناول المساعدة القضائية والقانونية وتقرير أحقية ضحايا العنف في المساعدة القضائية التلقائية، وشمول هذه الاستفادة لجميع المساطر ومراحل الدعوى، إضافة إلى توفير أجهزة قضائية متخصصة في قضايا العنف من خلال تعيين قاض أو مستشار مكلفين بقضايا العنف ضد النساء في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف. مقاربة شاملة ترى سعاد زخنيني محامية بهيئة الرباط وفاعلة بمركز الوئام للإرشاد الأسري بسلا أن مقاربة العنف يجب أن تكون شاملة، ذلك أن المقاربة القانونية تكون قاصرة إذا أغفلت المقاربة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، لكون التشريعات الوضعية ليست إلا انعكاسا للعلاقات السائدة داخل المجتمع بكل تمظهراته. وقالت سعاد زخنيني: إن العنف ضد النساء، يعتبر أجلى مظاهر استشراء ظاهرة العنف داخل المجتمع المغربي بصفة عامة، وهذه الظاهرة ظلت لعدة قرون من الطابوهات المسكوت عنها، إما لكون أغلب الحالات تتم داخل جدران مغلقة، أو لطبيعة الحياة الزوجية التي تعتبر العلاقة بين الزوج والزوجة شأنا داخليا، أو لتواطؤ غير معلن يعتبر فيه الزوج تعنيف زوجته جسديا ونفسيا حقا قواميا، والمرأة تعتبر ذلك نصيبا مفروضا، أو لإحساس المرأة الضحية بعدم جدوى التشكي من الظلم الواقع عليها، إما خوفا من انهيار العلاقة الزوجية، أو لعدم ثقتها بمختلف الأجهزة الإدارية والقضائية.