سيكون من قبيل المغالطة إذا ما أنكر أحد تلك الجهود والتأثيرات الإيجابية للحركة الإسلامية على مسار التدين في المجتمعات الإسلامية، والتي انطلقت مع العقد الثالث للقرن الـ20. وسيكون أيضا هذا الإنكار من قبيل الإجحاف والبخس لفضل الحركة على مجتمعاتها، والذي يراد به تسريب اليأس إلى نفوس العاملين فيها، حتى تنثني عن عزمها وتتراجع عن مشروعها، فتخلد إلى الراحة والخمول، وتزاح عن الطريق ليخلو لأعدائها الجو، فيفعلوا بمجتمعاتهم ما يحلو لهم. غير أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، بل وسيكون هذا أيضا من باب المغالطات إذا ما اعتبرنا أن عطاءات الحركة ما زالت تسير بنفس الوثيرة التي كانت تسير عليها في السابق. قد يكون هناك بعض التراجع للمشروع الإسلامي لدى بعض الحركات في بعض الأقطار الإسلامية، لكن هذا لا ينبغي تعميمه أو تضخيمه، كما يفعل بعض المتتبعين والمنشغلين بالشأن الحركي الإسلامي، الحاقدين على الإسلام، والذين يدعون أن المشروع الإسلامي في حالة أزمة وتراجع. وهو ما أدى ببعض الدعاة الإسلاميين إلى التساؤل حول مدى صحة هذا الادعاء وإلى الرد عليه. نذكر من بينهم الشيخ راشد الغنوشي في كتابه: واقع الحركة الإسلامية: أزمة أم صعود؟ وكذلك في إحدى حواراته مع الجزيرة نت: هل صحيح أن المشروع الإسلامي في تراجع؟ كما صدر أيضا للدكتور أحمد الريسوني في هذا الصدد كتاب تحت عنوان: الحركة الإسلامية المغربية: صعود أم أفول؟ وكذلك له حوار على موقعه تساءل فيه عن المعنى والمعيار الذي ينبغي تقويم الحركة الإسلامية به في نجاحها وفشلها. وهي مواضيع تحاول أن تدحض ذاك الزعم الخاطئ أو تلك التهم المبالغ فيها عن العمل الحركي. وبعيدا عن المنهجية المتبعة في رد كل من الغنوشي والريسوني على هذا الادعاء، فإنني سأكتفي في هذا المقال بإثارة إشكالية لغوية، هي بمثابة ثنائية متقاربة المعنى، اعتبرتها قضية هامة لما قد يترتب عنها من انطباعات سلبية لدى عامة الناس، أو إحباطات نفسية في صفوف العاملين، قد تؤثر على مردوديتهم، وبالتالي على مسيرتهم الدعوية. ويتعلق الأمر بمصطلحي الفشل والإفشال، اللذين يعتبران مصدرين مشتقين من نفس المادة اللغوية للفعل الثلاثي فشل. لقد كان بإمكانهما أن ينتبها إلى استعمال هذين المصطلحين حتى لا يقع الخلط بينهما وهما يحاولان دفع ذاك الزعم الخاطئ عن الحركة الإسلامية. هناك فرق في المعنى بين مصطلحي الفشل والإفشال، أراه هاما لما قد يترتب عنه من تبعات في تقويم منجزات الحركة. ولهذا ينبغي الوقوف عنده مليا حتى لا تزيغ قدما الحركة بعد ثبوتها وهي تقاوم بعض إخفاقاتها. فالفشل يعني أن الحركة كانت سببا رئيسا في حصوله، وبالتالي فهي مسؤولة عما حصل لها، وتتحمل وزره خاصة إذا لم تعمل على مراجعة نفسها في الوقت المناسب. أما الإفشال فقد تتعرض له الحركة بفعل فاعل من الخارج. كما أن الفشل فشلان: فشل في وصول الحركة إلى الحكم لتدبير الشأن العام، وفشل في تنزيل مشروعها بعد وصولها إليه. وتبعا للفشل سيكون هناك أيضا إفشالان، لأن العائق الخارجي قد يحول بين الحركة ووصولها إلى الحكم، ثم إذا ما وصلت إليه، فقد يحول بينها وبين تنزيل مشروعها على الواقع. وهكذا سنكون جائرين إذا ما حكمنا عليها بالفشل ونحن نعلم أنها تعرضت للإفشال من الخارج قبل أو بعد وصولها إلى الحكم!!!