من الضروري اليوم بعد أن استبانت الوقائع ووضحت كثير من المعطيات أن نعيد تركيب الأفكار والملاحظات بخصوص ملف بلعيرج، خاصة وأن الرواية الرسمية لوزارة الداخلية لا تزال تكتنفها العديد من التناقضات الجوهرية التي سنحاول أن نركزها في أربع نقاط: 1تبني وزارة الداخلية روايتها بخصو ملف بلعيرج بناء على محاضر الشرطة القضائية، وهي المحاضر التي رفض قاضي التحقيق تسليم نسخ نها لهيئة الدفاع، متعللا بمقتضيات المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية، وكذا الاجتهاد الصادر عن المجلس الأعلى موضوع القرار عدد 3/1817 المؤرخ في 11 من شهر يوليوز من سنة 2007 الملف الجنحي عدد 3/6/.6638 ، وهو الأمر الذي اعتبرته هيئة الدفاع مخالفا للفصل 29 من قانون مهنة المحاماة الذي ينص على أن تمكن كتابة الضبط المحامي من الحصول على صور من وثائق الملف، كما اعتبرت اجتهاد المجلس الأعلى، خاصة بنازلة معينة، وأنه لا يجوز تعميمه لأنه لا اجتهاد مع وجود فارق، فتلك النازلة تختلف بكثير عن هذه النازلة. تطرح هذه الرواية إذن مشكلة حقيقية تتعلق بصحة هذه المحاضر وصحة التصريحات المنسوبة إلى المتهمين؛ ما داموا قد رفضوا الإدلاء بأي تصريح لقاضي التحقيق في البحث التفصيلي؛ حتى تمكن هيأة دفاعهم من نسخ لمحاضر الشرطة القضائية. 2 حسب رواية وزارة الداخلية، وحسب محاضر الشرطة القضائية، فالخطة التي اعتمدت من قبل هذه الشبكة الإرهابية بنيت على المزاوجة بين جناحين، جناح عسكري سمي بـالعمل الخاص، وجناح سياسي أوكلت إليه مهمة اختراق المؤسسات السياسية. في حين أن المعطيات التي حدثت على الأرض تؤكد أن تجربة الاختيار الإسلامي بعد سنة 1995 انتهت إلى تأسيس تجربتين سياسيتين: حزب البديل الحضاري وحزب الأمة، وهو ما يطرح تساؤلا عميقا على رواية وزارة الداخلية بخصوص عملية التأسيس التي يتأكد من خلال معطيات الواقع أنها لم تكن خاضعة لهذه الخطة، بدليل افتراق التجربتين السياسيتين، إذ لو كان الأمر محكوما بهذه الخطة لما كان هناك من داع لتأسيس جناحين سياسيين، وهو الحلقة المفرغة في رواية وزارة الداخلية، والتي لم تستطع أن تملأها بتفسير مقنع. 3 تحدثت رواية الداخلية كما تحدثت محاضر الشرطة القضائية عن خطة قطرية محلية أعدها هذا التنظيم السري كي يستهدف بها سلامة الدولة المغربية، لكنها لم تبين كيف تم التحول من السياق المحلي إلى السياق الدولي، وكيف تم استبدال الأهداف القطرية بالانخراط ضمن الرؤية الجهادية العالمية التي يتبناها تنظيم القاعدة. المعطيات التي جرت على الأرض، تثبت أن كلا من قيادة الحركة من أجل الأمة والبديل الحضاري قطعا مع السرية، وكل ما يتعلق بها من مفاهيم وتنظيمات، وتحولت إلى العمل العلني الشرعي مع منتصف التسعينيات بتأسيس حزبين سياسيين، فإذا افترضنا صحة كون هذا التنظيم السري كان يتحرك بمخطط وطني كما تصور ذلك محاضر الشرطة القضائية، فكيف تم التحول إلى المخطط الدولي، وفي أي سياق جاء ذلك، وبأية رؤية؟ فهذه حلقات مفرغة في رواية وزارة الداخلية لا زالت تحتاج إلى إجابة. 4 أما التناقض الرابع في رواية وزارة الداخلية فيتعلق بما أثير عن شخصية عبد القادر بلعيرج وما تداولته وسائل الإعلام من شكوك أمنية بخصوص علاقته بالأجهزة الأمنية البلجيكية واشتغاله لصالحها. وهي الشكوك التي لم تدخلها وزارة الداخلية في روايتها، وهي إن صحت، تنسف الرواية برمتها، وتفرض إعادة التحقيق في الملف بالشكل الذي يلزم السلطات باحترام سرية التحقيق، ويضمن للمتهمين شروط المحاكمة العادلة.