إن الدارس لعقيدة أهل السنة والجماعة يعلم أن منهجهم في إثبات العقيدة اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، فالعقيدة تثبت عندهم بالحديث ـ متواتره وآحاده ـ كما تثبت بالقرآن خلافا للمعتزلة، باعتبار أن القرآن والسنة وحي من عند الله تعالي فجبريل عليه السلام كان ينزل على نبينا صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ولم ينقل عن السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أنهم لا يثبتون العقيدة بحديث الآحاد (وهو ما لم يجمع شروط التواتر)، بل كانوا يحتجون به في العقيدة والأحكام دون تفريق بين ما هو عقيدة وما هو شريعة . يقول الدكتور القاضي برهون في كتابه خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته صفحة 952 مبيننا ذلك : وهذا التفريق الذي صار عقيدة في أذهان كثير من الناس إنما هو من صنيع متكلمي الفرق قديما، وتلقفه منه أهل الأصول فصار مقبولا لدَى كثير من المثقفين الإسلاميين في غفلة من أهل الحديث في العصور المتأخرة. أما في العصور الأولى فكان منهجهم يتسم بشمولية الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة والشريعة معا، وهو المنهج الذي كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام بعدَهم. ومنهج عدم التفريق بين أحاديث الآحاد في الاحتجاج بها في العقائد والأحكام هو الذي سار عليه علماء الحديث في مصنفاتهم التي خلفوها ـ وراءهم ـ ذخيرة خالدة للأمة خلود دينها ومصادر دينها بعد كتاب الله عز وجل. إلى أن ينهي الله وجود الحياة على رقعة الأرض. وعلى هذا المنهج كانت مصنفات هؤلاء الأعلام من أئمة السلف: جامع الثوري، ومصنفات حماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك، وجامع ابن عيينة، ومصنفات وكيع، وهشيم، وموطأ مالك،ومسند الشافعي، ومسند أحمد، وغيرهم من أصحاب المسانيد. وفي مقدمة كتب السنة ما اتفق أئمة الإسلام على تقديمها على غيرها مثل: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة وغيرهما من كتب السنة الأخرى. انتهى ثم ذكر الدكتور القاضي برهون مجموعة من أحاديث الآحاد التي احتج بها العلماء في العقيدة، نذكر منها : أخرج البخاري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : (إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب). وعلق الدكتور القاضي برهون على هذا الحديث بقوله : الحديث صريح في الدعوة إلى التوحيد أي الإيمان بالله والإيمان بالرسول والإيمان بهما من أصول الإعتقاد. وهما في طليعة وصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ بالتبليغ عنه، مع الدعوة إلى ما ورد في الحديث من أحكام، فكانت مهمته تتعلق بالدعوة إلى العقيدة وأحكام الشريعة، وهذا الحديث هو حديث آحاد. قال النووي وابن حجر: في هذا الحديث قبول الخبر الواحد ووجوب العمل به. ومما ينبغي التنبيه إليه أن الدكتور القاضي برهون ذكر الشيخ محمد شلتوت ضمن من أنكروا الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد حديثا ورد عليهم. قال الدكتور القاضي برهون : إن الشيخ شلتوت يرد أخبار الآحاد وأن العقائد لا تثبت إلا بالقرآن، والسنة ليست إلا مرددة لما أتبثه القرآن، وليس في العقائد ما انفردت السنة بإثباته. وللمزيد من الايضاح والبيان أنظر لزاما الصفحة 323 من كتاب خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته للشيخ القاضي برهون .