النظام العالمي الجديد الذي يحاول المحافظون الجدد حلفاء الحركة الصهيونية المسيحية المتطرفة، انقاذه من الانهيار زاد انكشاف طبيعته الاستعمارية القبيحة وذلك على لسان أحد مؤسسيه، حين دعى علنا الى العودة الى اساليب الاستعمار القديم وسياسة سرقة أموال الشعوب وثرواتها بالقوة ودون أدنى خجل. يوم 15 سبتمبر كتب هنري كيسنغر، وزير الخارجية الأسبق، ومارتن فلدستاين مقالاً نشرته صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان قوة مستهلكي النفط، استهلاه بقولهما إن ارتفاع أسعار النفط بنحو ثلاثة أضعاف من 30 دولار إلى أكثر من 100 دولار للبرميل في الفترة من 2001 إلى اليوم تشكل أكبر تحويل مالي في التاريخ. إذ أنه من المتوقع أن تجني الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك نحو الف مليار دولار هذا العام من مبيعات النفط، وهو ما سيترتب عليه العديد من العواقب السياسية الغير متوقعة ومنها تحكم الدول الضعيفة في الدول الكبرى إلى حد ما. وحذر كاتبا المقال من أن منتجي النفط المحتكرين سيظلون على هيمنتهم على السوق العالمي ما لم تحاول الدول المستهلكة تقليل اعتمادها على النفط وتطوير إستراتيجية سياسية لمواجهة الهيمنة السياسية على سوق النفط. وأضافا أنه إذا تعاونت الدول المستهلكة للنفط فيما بينها فستستطيع إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي والاتزان السياسي عبر تغيير مفهوم العرض والطلب إلى صالحها وإنهاء ابتزاز الضعيف للقوي، وهو الدور الذي يجب أن تقوده الولاياتالمتحدة برفقة الدول الصناعية الكبرى والهند والصين والبرازيل. إذ أن العمل المنسق قادر على خفض أسعار النفط وذلك عبر تقليل الضغوط التي تسببت في الارتفاع الحالي للأسعار وإنشاء سياسة ثابتة لتوفير النفط لمستهلكيه. ورغم أن تلك التغييرات ستستغرق أعواما حتى يتم تطبيقها وتصبح فعالة، فإن مجرد الإشارة إلى قرب اللجوء إلى مصادر بديلة للطاقة أو إلى تطوير صناعات النفط الداخلية كفيل بخفض أسعار النفط، لاسيما إذا تم تقليل أو إنهاء الضغوط السياسية المتسببة في ارتفاع أسعار النفط. مقال كيسنغر جاء في نفس الوقت الذي كان فيه الرئيس بوش يضع اللمسات الاخيرة على ما سماه البعض مشروع الفرصة الاخيرة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الانهيار الكامل، أو ما وصفه البعض بدواء الموت الرحيم الذي ينهي به بوش فترة حكمه التي دامت ثمان سنوات. فقد نجح بوش دون علمه في تدمير الامبراطورية التي سعى لتسود عالم القرن الحادي والعشرين، دمرها عندما بدأ بغزو أفغانستان ثم بإحتلال العراق أكبر مخزن للنفط في العالم برصيد يفوق 380 مليار برميل، فأنفق ما يناهز 800 مليار دولار ولكن دون أن يتمكن من قهر شعب الرافدين. خطة بوش لإنقاذ الاقتصاد تتطلب في مرحلتها الاولى زهاء 1000 مليار دولار وهي أموال ستزيد الدين الحكومي الى حوالي من 11 الف مليار دولار، وبمعنى آخر فهي أموال افتراضية على البيت الابيض توفيرها. وبما ان الناتج المحلي الإجمالي الامريكي يبلغ 13840 مليار دولار والميزان التجاري في حالة اختلال منذ سنوات، وحجم ديون الولاياتالمتحدة الخارجية تصل الى 12250 مليار دولار، فإن ذلك يعني بكل بساطة ان الحكومة الامريكية معرضة هي نفسها لحالة افلاس، إلا اذا نجحت في اجبار الدول الاخرى على التضامن وإقراضها مباشرة أو بشكل غير مباشر مئات ملايير الدولارات. من هنا تأتي نصائح كيسنغر حول استعادة أموال دول الخليج العربية النفطية. الوزير الامريكي السابق ذو الأصل الألماني والديانة اليهودية، لا يتحدث اعتباطا فقد كانت له تجربة ناجحة في التلاعب بأموال العرب الخليجيين خلال عقد السبعينات حين نجح في قلب معادلة موازنة الاسعار العادلة التي افرزتها حرب أكتوبر .1973 وهو الذي طالب في نفس الحقبة بتشكيل قوات للتدخل السريع من اجل احتلال منابع النفط في منطقة الخليج العربي. كما شهد كيف ان تلاميذه في البيت الابيض نجحوا منذ ذلك الحين في استغلال الاموال العربية لصالح الولاياتالمتحدة وربيبتها إسرائيل، خاصة وأن البعض تصرف في ثروة الأمة كما كان الأقطاعيون يفعلون في العصور الوسطى بأوروبا، وذلك رغم الخسائر الفادحة التي لحقت بهم. نصائح كيسنغر ومشاريع بوش لا تلقى اجماعا من طرف الاقتصاديين بشأن قدرتها ليس على إنقاذ الاقتصاد بل حتى على اطفاء الحريق، حيث يؤكد اقتصاديون وسياسيون ان هناك ثقبا اسود يمتص كل شيء في إشارة الى الحلقة المرعبة التي تهدد بالتهام بنوك أخرى ومؤسسات مالية اخرى. وقد اعتبر النائب الديمقراطي كريس دود ان الولاياتالمتحدة قد تكون على بعد أيام قليلة من انهيار كامل لنظامها المالي. رغم كل ذلك يسقط البعض سواء بإرادتهم أو مرغمين في الفخ، فيوم الاثنين 22 سبتمبر أعلن بنك الاستثمار البحريني إنفستكورب إطلاق صندوق بقيمة مليار دولار بالتعاون مع صندوق سيادي خليجي للاستثمار في الديون العقارية بالولاياتالمتحدة. وذكر بيان للبنك أن الصندوق سيشتري قروضا كاملة وأوراقا مالية مدعومة بضمانات رهن عقاري في الولاياتالمتحدة، وأنه سيجري فيما بعد تقدير إمكان الاقتراض على المبلغ المشار إليه بما قد يرفع الموارد المتوافرة للاستثمار إلى 3 مليارات دولار. مؤسسات مالية عربية أخرى بدأت بدورها تضخ الاموال في السوق الامريكية رغم تأكيد خبراء اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي إن المصارف في المنطقة ستجد صعوبة في الحصول على قروض مجمعة في ظل الاضطرابات التي تشهدها أسواق المال العالمية حاليا. وبين الخبراء أن البنوك العالمية ليست مستعدة لصفقات اكتتاب في دبي أو في دول المجلس في الوقت الراهن، وأن المقرضين أصبحوا أكثر انتقائية فيما يتعلق بالموافقة على صفقات مع مقترضين خليجيين.