أمي محجوبة نموذج من المغاربة الذين يعيشون حالة من التهميش المعنوي والمادي، بعدما أفنت سنوات عمرها في البحث عن قوت يومها، وهي التي رحلت من البادية في بداية الأربعينيات إلى مدينة الدارالبيضاء، وحطت رحالها مع زوجها بكريان سنطرال بالحي المحمدي على عهد الملك الراحل محمد الخامس، ثم إلى كريان سيدي عثمان بالقرب من سينما العثمانية. بعد وفاة زوجها خرجت إلى العمل بحثا عن قوتها اليومي وفكاً للوحدة التي تعاني منها رغم الأنس الذي يحيطها به بعض الجيران. وقبل 6 سنوات تكفلت بتربية بنت اسمها آمال ترعرعت في أحضانها منذ الصغر، وكانت سندها الوحيد في مساعدتها داخل كوخ قصديري بحي صفيحي يفتقر إلى أبسط شروط السلامة الصحية، كانت تسقيها ماءا من عيون بعيدة عن محل السكن بواسطة سطل تشرب به وتغسل لها ثيابها منه وتعاود الكرة يوميا بحيث تحكي أنها تكتوي بحر النار في فصل الحرارة وقطرات المياه فوق رأسها في فصل الشتاء والفيضانات والأوحال. الآن بعد أن تجاوزت أمي محجوبة عقدها الثامن وصارت بالكاد تتحرك، رحلت عنها آمال بعد أن تزوجت، فصارت وحيدة تبكيها آمالها لعلها ترجع إليها لتؤنسها أو أن يهب الله لها من يملء الفراغ التي تعيشه. وعادت آمال مرة أخرى، بعدما حظيت أمي محجوبة بشقة متواضعة بحي وليلي 4 في الطابق الرابع بالعمارة 10 بالقرب من التشارك بمدينة الدارالبيضاء الكبرى، مكثت عندها لمدة طويلة، قبل أن تفاجئها مرة أخرى بالمغادرة الأبدية وهي الآن طاعنة في السن إذ تبلغ 90 عاما، ولا تستطيع صعود ونزول أربع طوابق وتعاني من ضعف النظر، وتشير أمي محجوبة أنها لم تعد قادرة على الذهاب لسحب مبلغ تقاعدها الهزيل 500 درهم في كل ثلاث أشهر .