كما هو معروف يأتي شهر رمضان المبارك بمشيئة الله تعالى موسما للطاعات والقربات والإكثار من الأعمال الصالحة؛ لأن الله عز وجل قد شاء أزلا أن يجعل شهر رمضان وحدة زمنية من اثنتي عشرة وحدة يتشكل منها العام. جعل الله هذه الوحدة الزمنية فرصة تفيض فيها رحمات الله على عباده، وألطافه على الطائعين من خلقه إنعاما منه ورحمة وكرما. ففي رمضان تتضاعف ثوابات الأعمال بكم أكثر بكثير من غيره من الشهور. ويكفي أن نستمع إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم عن رمضان من تطوع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى 70 فريضة فيما سواه. فأي خصلة من خصال الخير في رمضان كأنها فريضة تامة في الثواب. وخصال الخير لا حصر لها ولا عدد؛ مثل: إماطة الأذى عن الطريق، والبشاشة في وجوه الناس، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعطف على الفقير، والإحسان إلى المسكين، ومؤازرة الأرملة، ورحمة المصاب، والمسح على رأس اليتيم، وما إلى ذلك من خصال الخير اليسيرة الهينة التي لا تتناهى عددا. أي خصلة من مثل هاتيك الخصال؛ يحصل المرء منها على ما يوازي ثواب فريضة؛ كالصلاة والزكاة في غير رمضان، وأداء فريضة في رمضان الحد الأدنى لها في الثواب أنها توازي 70 فريضة في غير رمضان. ومعنى هذا أن رمضان فرصة نفيسة ماسية من الظلم البين للنفس التفريط في شيء منها. ومن المعروف أن الفرق الرياضية الحريصة على إحراز الفوز في المباريات التي تشترك فيها؛ تحرص على أن تعد لهذا الفوز في المباريات بالاستمرار في التدريب قبل المباراة بأيام. وربما بأسابيع كما تحرص على تدريب تسخيني قبل الدخول في المباراة مباشرة. ومن المعروف كذلك أن الجيوش العتيدة التي تراهن على إحراز الانتصارات؛ تكدح وتثابر قبل دخول المعارك في تدريبات دائبة متواصلة؛ كي تتشكل قواها وملكات أفرادها بصورة تكفل لها الانتصار في أي معركة تفرض عليها. ومضيا في هذا المضمار... مضمار الإعداد للنفس قبل حينونة الفريضة لكي يدخل الإنسان على الفريضة مهيئا قويا؛ شرع لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سننا قبلية قبل فرائض الصلوات؛ كأنها عمل تأهيلي يمارسه العبد قبيل دخوله ساحة الفريضة؛ حتى تتضاعف همته وقواه لإنجاز الفريضة على أفضل ما يكون. وفي السياق نفسه، تتجه حكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لتأخذ بأيدي المسلمين في دورة تأهيلية تدريبية وتربوية؛ لصقل همم المسلمين وشحذ قواهم من خلال سنن وتطوعات عبادية. ينشط بها المسلم في الوحدة الزمنية السابقة لشهر رمضان (وهي شهر شعبان). فإذا كانت السنة تنقسم إلى قولية وفعلية وتقريرية؛ فإن من السنن القولية والفعلية ما يؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام في شهر شعبان. ومن المعروف أن مناخ الصيام يرتفق معه الإكثار من القيام والبر والطاعات والقربات. وإذا كان المسلم مطالبا بأن يتحلى بالتزام سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن مما ينبغي للمسلم أن يكثر من الصيام ومن الطاعات والقربات والنوافل في شهر شعبان؛ وأن يتجرد من القيم السلبية. ويتجافى عما يخضعه لوسوسة الشيطان وصراع النفس الأمارة بالسوء؛ حتى يكون في رمضان عبدا ربانيا يسارع في الخيرات.