من الواضح أن الأصوات الأمريكية العاقلة قد بدأت تتكاثر في الولاياتالمتحدة ضد سياسات المحافظين الجدد الذين يحركهم العقل الصهيوني في عهد جورج بوش الابن. لم تبدأ الحكاية مع رسالة الدبلوماسيين السابقين الخمسين حول سياسات واشنطن حيال النزاع العربي الصهيوني، ولن تنتهي بالرسالة التي وقعها حوالي (200) باحث من بينهم (30) فائز بمنحة رودس الدراسية المعروفة. كما لن يكون كتاب "الصلف الإمبريالي .. كيف يخسر الغرب الحرب ضد الإرهاب؟" هو الأخير الذي يسجل إدانة واضحة لسياسات واشنطن في سياق حربها ضد ما تسميه الإرهاب. نتوقف قليلاً عند هذا الكتاب الأخير الذي جرى توقيعه باسم "مجهول" لأن مؤلفه هو أحد محللي وكالة المخابرات الأمريكية، فيما ينبغي أن يكون قد طرح في الأسواق يوم الخميس 15/7، ويتوقع أن يثير المزيد من الضجة، مع أن مضمون الكتاب قد بات معروفاً إلى حد كبير تبعاً للتغطية التي حصل عليها خلال الأسابيع الماضية. خلاصة الكتاب ومعها رسالة الباحثين المشار إليها وقبلها رسالة الدبلوماسيين، بل وحتى النتيجة التي توصل إليها إدوارد دجرجيان في الرسالة التي وجهها إلى الكونغرس بعد تكليفه بدراسة إمكانية إجراء حملة علاقات عامة لتحسين صورة بلاده في العالم العربي. خلاصة ذلك كله هو أن العنف الموجه ضد الولايات المتحد لا صلة له البتة بما يقوله جورج بوش ومحافظوه من الصهاينة واليمين المتطرف من أن الإرهابيين يكرهون نمط معيشتنا ويستهدفون حريتنا، بل هو نتاج لسياسات واشنطن حيال العالم العربي والإسلامي في ملفات كثيرة على رأسها الصراع العربي الصهيوني والعراق وأفغانستان وسواها من البلدان العربية الإسلامية وحيث تساند الإدارات الأمريكية الأنظمة الفاسدة ضد شعوبها. يسخر مؤلف الكتاب من "زعم بعض الأصوات الهامة في الولاياتالمتحدة بأن المسلمين أساءوا فهم مقاصد السياسة الأمريكية وأن القنوات التلفزيونية الفضائية العربية تشوه هذه السياسة عمداً، وأن الحل هو دبلوماسية أفضل تتعامل مع الرأي العام..". فيما يرى أن الولاياتالمتحدة تخوض حرباً "مع حركة تمرد إسلامية على مستوى العالم بقيادة القاعدة بسبب تلك السياسات". أما حرب العراق فيرى الرجل أنه "تبدو في خدمة إسرائيل وللهيمنة على مخزون النفط العراقي"، مضيفاً أنها (أي الحرب) قد قدمت دعماً لأسامة بن لادن. إنها معطيات مللنا من كثرة تكرارها، لكن صدورها تباعاً من لدن شخصيات أمريكية يشكل تحولاً مهماً قد يترك آثاره على سياسات واشنطن، لكن ورطة العراق قد جعلت ذلك أمراً صعباً فقد بتنا نتحدث عن ورطة لا يبدو الخروج منها سهلاً، لأن هيبة الولاياتالمتحدة قد باتت رهناً بربح تلك الحرب، ولن يتمكن كيري في حال فوزه من تغيير الكثير حيال الموقف منها، لأن الوضع قد غدا جزءً لا يتجزأ من مقومات الأمن القومي الذي لا يمكن صياغة الموقف النهائي منه عبر قرار منفرد من الرئيس. لذلك كله تبدو لعبة الغطرسة الأمريكية مستمرة، وصولاً إلى ملامح خسارة مهمة في العراق، خلافاً لرهانات المتعاونين مع الاحتلال هناك، مع أن الموقف سيكون أفضل بالنسبة لنا في حال فاز بوش بولاية ثانية، لأنه سيكون ضمانة للمزيد من الغطرسة والصلف والعنجهية التي كانت على الدوام سبباً مهماً وأساسياً من أسباب أفول نجم الإمبراطوريات في التاريخ.