لم يعد خافيا على أحد اليوم أن العدوان الأمريكي البريطاني على العراق الشقيق، لا يهدف إلى احتلاله وتغيير منطقة المشرق العربي بما يخدم المصلحة الكبرى للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني فحسب، بل انكشف الأمر أخيرا عن نية واشنطن نحو التحكم في زمام الأمر بالعالم والإمساك بمقاليد الأمور بيد غليظة قاهرة، كما انكشف معه الضغط المتواصل للمحافظين الجدد على صاحب القرار في البيت الأبيض. فقرار احتلال العراق لم يوقعه جورج بوش، وإنما وقعه الرئيس السابق بيل كلينتون، حسب تحقيقات الصحافة الغربية. مصدر الضغط الدائم على البيت الأبيض هم المحافظون الجدد كما أسلفنا، الذين أصبحوا قوة إعلامية وسياسية بالتحالف مع اللوبي الصهيوني بالولاياتالمتحدة، فهم ثلث الناخبين ولهم إمبراطورية إعلامية ضخمة، يقف وراءها المال الصهيوني. ويكفي أن نعلم في هذا الشأن أن أقوى أسبوعية أمريكية وأكثرها أثرا وهي "ويكلي ستاندار"، وقف وراءها الملياردير الصهيوني الأسترالي البريطاني "روبرت مردوخ". في دجنر سنة1997 نشرت هذه الأسبوعية ملفا ضخما بعنوان ضخم يقول "على صدام أن يرحل". وإلى جانب روبرت مردوخ، يعتبر كل من "ويليام كريستول" و"روبرت كاغلن"، القلب النابض والمحرك الرئيسي للأسبوعية المحافظة، وهذان معا أنشآ معهد للتفكير الاستراتيجي حول "القرن الأمريكي الجديد"، من أهم مبادئه قولهما "لقد علمنا تاريخ القرن العشرين أنه من المهم التأثير في الأحداث قبل أن تظهر الأزمات، وأن من الأولى مواجهة التهديدات قبل أن تصبح مدمرة، تاريخ هذا القرن علمنا أن أمريكا ينبغي أن تكون الزعيم الأوحد في العالم<. ولأن أمريكا ينبغي أن تكون صاحبة الأمر والنهي وحدها في هذه الدنيا، فإن هيئة الأممالمتحدة أصبحت في طريقها حجرة عثرة مزعجة ولابد من التخلص منها وتجاوزها، وبالفعل ذلك ما فعله الرئيس الأمريكي تحت ضغط المحافظين المتطرفين الذين نادوا بتدمير الهيئة الأممية عدة مرات على لسان صقور البيت الأبيض، وعلى رأسهم وزير الدفاع رونالد رامسفيلد وكاتب الدولة في الخارجية كولن باولن. أسبوعية "ويكلي ستاندار" نفسها خصصت للمنظمة ملفا تحت عنوان "تدمير الأممالمتحدة"، وصرح غير ما مرة رجال الإدارة الأمريكية بامتعاض وازدراء قائلين "لن تسمح الولاياتالمتحدة أن تملى عليها سياستها من لدن الكاميرون" في إشارة إلى عضو بلد أفريقي في مجلس الأمن حسب نظام التناوب المعمول به في المنظمة الدولية. لذلك فكرت الولاياتالمتحدة، وما تزال تفكر في إنشاء هيئة جديدة بمثابة ناد ديمقراطي تحت الرعاية الأمريكية البريطانية والروسية أيضا، وحسب ما قال رامسفليد فإنها منظمة من بين المنظمات الأخرى، والتحالفات فيها حسب الظروف والمصالح المتغيرة والمتطورة. بذور ذلك ظهرت في التحالف العدواني الذي يغزو العراق حاليا، وفي التصريحات والتحركات السياسية والدبلوماسية المصاحبة للعدوان حاليا. ما نشهده اليوم في المشرق العربي، ليس سوى وجه جديد من وجوه الاستعمار، وإذا كانت الوجوه السابقة فرنسية وبريطانية وإسبانية وهولندية... فإن العصر الحالي هو عصر الاستعمار الأمريكي في العالم كله وفي العالم الإسلامي خصوصا، وهو استعمار يجمع بين السلاح الثقافي الإعلامي من جهة والسلاح العسكري السياسي من جهة ثانية. وكما نهض رجال المقاومة والتحرير من قبل ضد أنواع الاستعمار السابقة، فسينهض أحفاد لهم اليوم لوقف العدوان وطرد الاستعمار من جميع الساحات الثقافية والسياسية والإعلامية والعسكرية، حتى ولو دخلوا بغداد ودمشق لا قدر الله.